طُبعت في أذهاننا صورة نمطية عن أزمة الزراعة في لبنان: مزارعو تفّاح وبطاطا، وأحياناً حمضيات، يعانون دائماً من كساد محاصيلهم، فيحتجّون برمي إنتاجهم في الشارع رمزياً، مطالبين «الدولة» بتعويضات. إلّا أن الأزمة أكثر تعقيداً من هذه الصورة، فهي ترتبط أولاً بنموذج اقتصادي بُنيت أساساته على دعم القطاعات الخدمية، ولا سيّما التجارة والمصارف والعقارات، وإهمال القطاعات الإنتاجية، ولا سيّما الزراعة، فالحكومة لا تنفق سوى أقل من 1% من موازنتها على القطاع الزراعي، وهو بمعظمه إنفاق على الأجور والنفقات الاستهلاكية في الإدارات والهيئات والبرامج المعنية بتنظيم القطاع الإنتاجي الأول ودعمه. لا يتعلّق الأمر بالأيديولوجيا فقط، بل بالنتائج الماثلة لهذا النموذج، ولا سيّما على صعيد تمدّد العمران على حساب الأراضي الزراعية والحرجية، وخصوصاً على الساحل حيث تتكدّس أكثرية السكّان، وكذلك على صعيد ارتفاع أسعار الأرض وارتفاع كلفة الإنتاج وتدنّي الدخل العائلي من الزراعة، ما عدا في الحيازات الزراعية الكبيرة التي دخل إليها رأس المال، ولا سيّما ذات الصلة بصناعة النبيذ والكونسروة والتشيبس وبعض الزيوت والسلع الزراعية كالموز والأفوكادو والحمضيات. في النتيجة، نزحت الأسر من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرص عمل أخرى، ووفقاً لوزارة الزراعة فإن نحو 70% من الذين لا يزالون يعملون في الزراعة يعملون في الوقت نفسه في قطاعات أخرى لسدّ حاجاتهم المعيشية. هذا الواقع لا يعبّر فقط عن تحرّكات السكان وضغوطها، بل كانت له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للمجتمع اللبناني، إذ ازداد الاعتماد على الاستيراد لتأمين الحاجات الغذائية الأساسية والكمالية، ووفقاً لإحصاءات الجمارك اللبنانية فاقت فاتورة استيراد المواد الغذائية نحو ستة أضعاف قيمة الصادرات الغذائية اللبنانية في 2018. وفي مقابل إنتاج زراعي بقيمة ملياري دولار فقط، استوردنا في العام الماضي منتجات غذائية بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي تشكّل أكثر من 80% من حاجاتنا الغذائية. يقول الاقتصادي عباس رمضان إن «السياسات توضع لتحقيق أهداف آنيّة ولاحقة. فلننظر إلى القطاع الزراعي في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة الذي يستمدّ قوّته من العقيدة الإسرائيلية القائمة على التشبّث بالأرض، ويؤمّن 95% من الاحتياجات الغذائية المحلّية. ولننظر إلى القطاع الزراعي في لبنان الآخذ بالتدهور، نتيجة نموذج يعزّز الهجرة، وبالتالي ترك الأرض، بحثاً عن فرص عمل لاستقطاب عملات أجنبية يعجز النموذج عن تأمينها من إنتاجه الخاص. فلنقارن بين هاتين السياستين ونستخلص نتائج كل منهما». في لبنان، تبيّن إحصاءات الأمم المتّحدة أن عدد سكّان الريف تراجع بين عامي 1950 و2018، من 68% إلى 11% من مجمل سكّان لبنان. ووفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، تراجع عدد العاملين في الزراعة من 19% إلى 6% من مجمل القوى العاملة بين عامي 1970 و2015. ويعيش 40% من الأسر في الريف تحت خطّ الفقر. وتراجعت حصّة الزراعة من مجمل الناتج المحلّي من 9% إلى 3% خلال الفترة نفسها. أمّا وفقاً لوزارة الزراعة، فعلى الرغم من أن 63% من مجمل مساحة لبنان صالحة للزارعة، إلّا أن المساحة المزروعة بالفعل الآن لا تتجاوز 22%.
10 أصناف متدنية القيمة على 71% من الأراضي الزراعية

تبلغ مساحة الأراضي الزراعية المُستخدمة في لبنان نحو 260 ألف هكتار، يُحصد منها نحو 3 ملايين طن من المحاصيل، بقيمة 2.03 مليار دولار سنوياً. ما يعني أنّ في كل هكتار من الأراضي الزراعية المُستخدمة، يتمّ إنتاج 12 طنّاً من المحاصيل وسطياً، بقيمة 7740 دولاراً سنوياً، أي إن القيمة الوسطية لكلّ كلغ من المحاصيل المُنتجة لا تتخطّى 65 سنتاً، وهو معدّل متدنٍّ جدّاً.

القيم الأكبر مقابل أقل المساحات

على الرغم من أن 71% من الأراضي اللبنانية تستحوذ عليها 10 زراعات، غالبيتها ذات قيمة مضافة متدنية، إلّا أن هناك زراعات مرتفعة القيمة وتستحوذ على مساحات أقل بكثير. وتبرز الجوزيات (الكستناء والفستق الحلبي) التي تستحوذ على 2.3% من مجمل المساحة في مقابل مساهمتها بنحو 6% من مجمل قيمة الزراعات اللبنانية، والأشجار الاستوائية (الأفوكادو والقشطة والكيوي) التي تستحوذ على 2.2% من مجمل المساحات المزروعة وتساهم بـ 6% من قيمة الإنتاج الزراعي.

وفقا للإحصاء الزراعي لعام 2015، الذي أعدّته وزارة الزراعة بالتعاون مع منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) والمفترض صدوره قريباً، تستحوذ 10 أنواع من المحاصيل على 71% من مجمل الأراضي الزراعية المُستخدمة في لبنان، إلّا أنها لا تساهم سوى بـ59% من مجمل الإنتاج الزراعي، ولا تتخطّى قيمتها ربع قيمة مجمل المحاصيل المُنتجة. وأكثر من ذلك، تغطّي 5 محاصيل 57% من مجمل هذه المساحة وتساهم بـ37% من مجمل الإنتاج الزراعي، فيما يستحوذ محصول واحد على ربع المساحة الزراعية المُستخدمة ويساهم بـ0.8% فقط من مجمل الإنتاج الزراعي.

الزيتون
يستحوذ الزيتون على 24% من مجمل هذه المساحة على الرغم من مساهمته بـ4.7% من مجمل الإنتاج الزراعي و1.1% من قيمة هذا الإنتاج، ويعود ذلك إلى التشجيع الذي حظيت به هذه الزراعة سابقاً من إيطاليا بهدف إنتاج زيت الزيتون وشرائه. وعلى الرغم من تراجع الاهتمام الإيطالي بزيت الزيتون اللبناني، وبالتالي تراجع تنافسيته ونوعيّته نتيجة الاستغلال الجائر للأراضي واستعمال كمّيات كبيرة من الأسمدة والكيميائيات، إلّا أنه لا يزال يشكّل نحو 10% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي.

القمح والشعير
يغطّي القمح والشعير نحو 19.5% من مجمل المساحة المُنتجة للمحاصيل، فيما ويساهمان بـ 3.5% من مجمل الإنتاج الزراعي و2.5% من قيمته. علماً بأن أكثر من ثلثي كمّية هذه المحاصيل لا تدخل في صناعة الخبز بل تستعمل لإنتاج المواد العلفية، وبعض المنتجات المُستهلكة الأخرى مثل السميد والبرغل. وتنتشر هذه الزراعة في لبنان على الرغم من إنتاجيتها المتدنّية كونها مدعومة من مكتب الحبوب والشمندر السكّري الذي يعمل تحت وصاية وزارة الاقتصاد، ويشتري القمح بأسعار مدعومة من المزارعين.

البطاطا
تستحوذ البطاطا على 8.5% من مجمل الأراضي الزراعية (45% من المساحات المزروعة بالخضار)، وتساهم بنحو 19.5% من مجمل الإنتاج الزراعي (%41 من مجمل إنتاج الخضار). تعدٌّ البطاطا من أكثف المزروعات إنتاجاً في لبنان، أمّا قيمتها المتدنية فتعود إلى ارتفاع قيمة بذورها بما يفوق قدرة المزارع العادي على زراعتها فضلاً عن رسملتها المتنامية والمتصلة بتصنيع رقائق البطاطا التي تنتشر معاملها في البقاع.


التفّاح
يغطّي التفّاح 5.6% من المساحات المزروعة، ويساهم بنحو 8.4% من مجمل الإنتاج الزراعي. تراجعت قيمة التفّاح في السنوات الأخيرة كنتيجة لتراجع تنافسيته. ففي سنوات ما قبل الحرب، كان التفّاح يعدُّ علامة فارقة للزراعة اللبنانية، وخصوصاً في الخليج العربي وأوروبا، إلّا أن بروز أنواع أخرى من التفّاح المُنتَج في دول شمال أفريقيا وزيادة استعمالات الأسمدة في لبنان، أدّى إلى ارتفاع كلفة إنتاجه وتراجع تنافسيته وفقدان بعضٍ من أسواقه.

البندورة
تغطّي البندورة 3.1% من مجمل الأراضي المزروعة وتساهم بنحو 12% من مجمل الإنتاج الزراعي، علماً بأن قسماً منها يزرع في الخيم، وهي تعدّ من المحاصيل ذات القيمة المضافة المرتفعة ولديها أسواق استهلاك محلّية وخارجية، وخصوصاً في البلدان الخليجية.


التبغ
يغطي التبغ نحو 3.1% من مجمل الأراضي الزراعية وخصوصاً في بعلبك - الهرمل وعكار والنبطية والجنوب، إلّا أنه لا يساهم سوى بـ0.3% من مجمل الإنتاج الزراعي و3.6% من قيمته. والتبغ هو زراعة مدعومة من الدولة عبر إدارة حصر التبغ والتنباك (ريجي) المسؤولة عن منح التراخيص للمنتجين وشراء المحاصيل، وفيما يصدَّر القسم الأكبر من الإنتاج المحلّي إلى الخارج يتمّ استيراد التبغ الأجنبي لصناعة السجائر المحلّية.

العنب والكرز والبرتقال
يغطّي عنب المائدة نحو 2.8% من مجمل المساحات المزروعة، ويليه الكرز بنسبة 2.3%، ومن ثمّ البرتقال بنسبة 2.2% وتساهم هذه المحاصيل مجتمعة بنحو 10% من مجمل الإنتاج الزراعي. علماً أن العنب يدخل في صناعة النبيذ، فيما الكرز والبرتقال يعدّان من أبرز المنتجات الزراعية المصدّرة إلى الخارج.
بزر وكاجو أكثر من الطحين والأرز!

بلغت قيمة البزر المستورد عام 2018، أكثر مرّتين ونصف المرّة من قيمة الطحين المستورد وتجاوزت بقليل قيمة الأرز المستورد. وقاربت قيمة الصلصات كالكاتشاب ومرق الحساء والمربّى والبوظة والعلك قيمة المحضّرات الغذائية للأطفال الرضع.
لا تشكّل هذه الأمثلة استثناءً لما نستورده سنوياً من مواد غذائية. ففي الواقع، تُبيّن الإحصاءات الصادرة عن الجمارك اللبنانية أن قيمة المنتجات الغذائية التي لا يمكن للبنان إنتاجها لا تتجاوز 18% من مجمل فاتورة الاستيراد، في حين أن أكثر من 82% من قيمة المواد الغذائية المستوردة تُدفع ثمناً لمنتجات لا تدخل في السلّة الغذائية الأساسية، أو لاستيراد منتجات يوجد بدائل محلّية لها أو إمكانات لزراعتها وتصنيعها وتطويرها، إلّا أن ارتفاع كلفة الإنتاج المحلّي وتراجع نوعيّته تحول دون ذلك.

82%

من قيمة المواد الغذائية المستوردة تُدفع ثمناً لمنتجات لا تدخل في السلّة الغذائية الأساسية أو لاستيراد منتجات يوجد بدائل محلّية لها أو إمكانات لزراعتها وتصنيعها


يعيد المدير السابق لمركز الاستشعار عن بعد في المركز الوطني للبحوث العلمية الدكتور طلال درويش الأمر إلى أسباب عدّة، منها ما يرتبط بطبيعة لبنان وتربته وما يمتلكه من ثروات طبيعية، وهو ما ينطبق على «الثروة السمكية والأنواع المتوافرة في بحرنا، والتي لا تكفي لسدّ الحاجات الاستهلاكية المحلّية فيعوّض عنها بالاستيراد»، وإلى سياسات ومصالح ترسّخت على مدار سنوات، أدّت إلى فقدان القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به للتنافسية نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج المحلّي وتراجع نوعيته، وهجرة العمل في الزراعة وتربية المواشي، وهو ما «انعكس على تربية المواشي التي لا تسدّ الحاجة المحلّية من اللحوم، وعلى بعض الزراعات مثل الحبوب التي تتطلّب عملاً شاقّاً فيما ربحيتها منخفضة».
استورد لبنان عام 2018 مواد ومنتجات غذائية بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي تشكّل 17.2% من مجمل فاتورة الاستيراد التي بلغت خلال الفترة نفسها نحو 20.4 مليار دولار.
تعدُّ البروتينات الحيوانية والنباتية جزءاً أساسياً من السلّة الغذائية الأساسية، لكنّ اللافت أن لبنان يستورد سكاكر وشوكولا ومياهاً غازية وبُنّاً وتبغاً ومكسّرات وكحولاً، وهي منتجات كمالية، بقيمة متقاربة (715 مليون دولار) مع قيمة واردات اللحوم والأسماك ومحضّراتها الغذائية. وينفق أكثر من نصف هذه القيمة (482 مليون دولار) لاستيراد أجبان وألبان ومشتقاتها كالزبدة والقشدة ومنتجات الأفران كالخبر المحمّص (توست) والكعك، وهي منتجات تُصنّع محلّياً وتعدّ من المنتجات الأساسية في السلّة الغذائية اليومية.


تبيّن إحصاءات المواد العذائية المستوردة الكثير من المفارقات. على سبيل المثال، بدلاً من حماية الإنتاج المحلّي ووضع سياسات لتحفيزه وتحسينه ورفع تنافسيته، نرى أن لبنان يستورد 30 ألف طن من القشدة بقيمة 104 ملايين دولار، وهي سلعة منتجة محلّياً في المخابز والأفران ومحال الحلويات، ويمكن تطويرها وتحسين نوعيتها. والأمر نفسه ينطبق على 7 آلاف طن من الزبدة تستورد بقيمة 48 مليون دولار، و24 ألف طن من الخبز المحمّص والكعك والكورن فلاكس بقيمة 58 مليون دولار. وفيما يستورد كاتشاب بنحو 5 ملايين دولار، تتكرّر سنوياً على الشاشات مشاهد رمي المزارعين للبندورة احتجاجاً على عدم إمكان تصريفها. ومن الأمثلة الأكثر تعبيراً عن تأثير السياسات الاقتصادية المعادية للإنتاج المحلّي، نذكر استيراد نحو ألفي طن من العلكة بقيمة 11 مليون دولار، علماً بأنها سلعة كانت تنتج محلّياً قبل إقفال آخر معاملها قبل سنوات (كادبوري أدامس – تشكلتس) وانتقاله إلى مصر بسبب كلفة الإنتاج المرتفعة في لبنان.
لا تتوقّف الأمثلة الصادمة عند هذا الحدّ، بل تنسحب على جملة من المواد الغذائية الكمالية التي تستحوذ على نسبة عالية من فاتورة الاستيراد، وتتجاوز أضعاف قيمة المواد الأساسية أو التي لا يملك لبنان بدائل لها، بحيث تشكّل عاملاً إضافياً في زيادة العجز المُزمن في الميزان التجاري، والذي بلغت قيمته التراكمية بين عامي 1992 و2017 نحو 261 مليار دولار، وفقاً للبنك الدولي، وذلك من دون اتّخاذ أي إجراء للحدّ من استهلاكها كفرض رسوم جمركية على استيرادها.
في الواقع، يستورد لبنان 48 ألف طن من البزر بقيمة 66 مليون دولار، وهو ما يتخطّى قيمة 72 ألف طن من الأرز يستوردها لبنان بقيمة 55 مليون دولار وتدخل ضمن سلّته الغذائية الأساسية ولا يمكن زراعته محلّياً. وأكثر من ذلك، ينفق نحو 124 مليون دولار لشراء أكثر من 19 ألف طن من الكاجو والفستق الحلبي واللوز والجوز والبندق، وهو ما يوازي تقريباً 5 أضعاف ما ينفقه لشراء 55 ألف طن من الطحين والسميد (26 مليون دولار). كما ينفق نحو 49 مليون دولار لشراء الفاكهة الاستوائية والمجفّفة والمربّى أي ما يوازي ضعفي قيمة ما ينفقه لشراء الطحين.
نتاجر بما لا نزرع

تستحوذ الصناعات الغذائية على 77% من مجمل الصادرات الغذائية اللبنانية، في مقابل 23% للسلع الزراعية وتحديداً الفواكه والخضار والحبوب والتبغ. ووفقاً للجمارك اللبنانية بلغت قيمة هذه الصادرات نحو 667 مليون دولار عام 2018.
تُظهر هذه البيانات نفسها أن 11 فئة من المنتجات الغذائية تستحوذ على نحو 84.1% من مجمل قيمة الصادرات الغذائية. تتصدّرها الخضار والفواكه المحفوظة ومحضراتها (19%)، تليها الفواكه (11.5%)، ومن ثمّ ألواح الشوكولا والبسكويت والسكاكر (10%)، الزيوت (وغالبيتها زيت زيتون) بنسبة 8.2%، ومنتجات المخابز كالخبز المحمّص والكورن فلاكس والعجائن الغذائية (6.1%)، الكحول بنسبة 5.4% (علماً أن النبيذ وحده يستحوذ على 3.2% من مجمل قيمة الصادرات)، والثمار القشرية أو المكسّرات (5.2%)، الحيوانات الحيّة ولحومها ومحضراتها (5.1%)، الخضار (4.9%)، التبغ (4.9%) والبن (3.7%).
تبيّن نوعية هذه الصادرات ضعف الإنتاج الزراعي، وهو أمر لا يحتاج إلى إحصاءات إضافية لإثباته. لكن الأهمّ من ذلك، إبراز عمليات التحوّل الرأسمالي التي طاولت القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به، وهي بجزء منها صناعات متدنية القيمة المضافة، أي إنها لا تسهم بتشغيل عدد مهمّ من العمّال في عملية التصنيع مثل البن الذي يُستورد من الخارج محمّصاً وغير محمّص، وتقوم شركات تصنيع البن المحلّية بتحميصه وتعليبه ومن ثمّ بيعه في الأسواق المحلّية والخارجية، والأمر نفسه ينطبق على الثمار القشرية مثل الكاجو والفستق الحلبي والبندق والبزور على أنواعها، التي تحمّص وتعلّب محلّياً تمهيداً لبيعها في الأسواق.
وهناك صناعات غذائية شهدت تحوّلاً نحو رسملة الزراعة، وأهمّها النبيذ الذي بلغت قيمة صادراته العام الماضي أكثر من 21 مليون دولار، وهو منتج تسيطر على عملية تصنيعه ما لا يقل عن خمس شركات لبنانية تمتلك مساحات شاسعة في سهل البقاع، وتعتمد على اليد العاملة المتدنية الكلفة في عملية زراعة الكروم وقطافها وتصنيع النبيذ قبل طرحه في الأسواق. والأمر نفسه ينطبق على مزارع الحيوانات، فوفقاً لوزارة الزراعة، يشكّل حائزو الأبقار على سبيل المثال، ثلثي مربّي الحيوانات، و1% منهم ويبلغ عددهم نحو 104 حائزين يمتلكون 22% من مجمل الأبقار الموجودة ويحوز كلّ منهم على أكثر من 50 رأس بقر بما يسمح بإنتاج كمّيات مهمّة قابلة للتصنيع والتصدير. أمّا الطيور فتتوزّع الدواجن البياضة بنسبة 43% على المزارع التي تمتلك أكثر من 25 ألف طير، والدواجن اللحم تتوزّع بنسبة 47% على المزارع التي تمتلك أكثر من 30 ألف طير.