توصف المصارف أنها «العامود الفقري» للاقتصاد اللبناني، ولذلك يسود الاعتقاد أن نمو الموجودات المصرفية بلا سقف، هو علامة إيجابية بالمطلق، بمعزل عن الكلفة المترتبة على هذا النمو في حال لم يكن متماشياً مع نمو الاقتصاد.الموجودات المصرفيّة هي بطبيعتها ديون على الأسر أو على شكل تسليفات تجاريّة، أو توظيفات في أدوات الدين السيادي. وبالتالي، لا يمكن دراسة نمو هذه الموجودات إلّا بوصفها عبء اقتصادي يتحدّد أثره في ضوء حجم الاقتصاد الوطني والدور الذي تلعبه هذه الديون فيه.
يُعد مؤشّر نسبة الموجودات المصرفيّة إلى مجمل الناتج المحلي أحد الأدوات التي يمكن للاقتصاديين من خلالها دراسة تطوّر هذه الموجودات قياساً إلى حجم الإنتاج عبر السنوات، ومقارنة هذا التطوّر مع بلدان أخرى.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

بين عامي 2013 و2017، شهد الناتج المحلي في لبنان معدّلات نمو سنوية تراوحت بين 0.8% و2.8%، وفق أرقام مصرف لبنان. في المقابل، سجّلت الموجودات لدى المصارف اللبنانية معدّلات نمو سنوية تتراوح بين 10% و6%. وفي محصّلة السنوات الخمس الماضية، نمت الموجودات المصرفية بنسبة 33.4%، بينما لم يتجاوز النمو في الناتج المحلّي 13% في الفترة نفسها.
نتيجة هذا التفاوت، ارتفعت نسبة الموجودات المصرفية إلى مجمل الناتج المحلي من نحو 360% في عام 2013 إلى 426% في عام 2017. بمعنى آخر: أصبح حجم القطاع المصرفي يوازي أكثر من 4 مرّات وربع المرّة حجم الاقتصاد المحلي، أو قيمة كلّ السلع والخدمات التي أنتجها لبنان في العام الماضي.
تُعدّ هذه النسبة من أعلى المعدّلات على مستوى العالم. فقد سمحت السياسة النقدية المُعتمدة في لبنان للقطاع المصرفي اللبناني بتضخيم موجوداته بمعزل عن النمو الاقتصادي والحاجات التمويلية للاقتصاد الحقيقي. ولذلك، تركّز توظيف هذه الموجودات، إلى حدّ كبير، في سندات الخزينة وشهادات الإيداع والودائع لدى المصرف المركزي، وباتت أدوات الدين السيادية تستحوذ على 65% من الموجودات المصرفية في لبنان. وهو ما شجّع المصارف على زيادة الودائع والديون، على الرغم من انخفاض معدّلات النمو الاقتصادي وتضاؤل فرص توظيف هذه الموجودات في تمويل الاستثمار المُنتج.
ساهمت هندسات مصرف لبنان منذ عام 2016 بمنح المصارف اللبنانية مجالات ربح إضافي واستثنائي. ففي عام 2016، الذي شهد أكبر عملية من هذا النوع، نمت الموجودات المصرفية بنسبة 10%، وقفزت معها ربحية المصارف، التي باتت تجسّد الوجه الآخر لعبء خدمة الدين والخسائر في مصرف لبنان، في ظل تركّز التوظيفات في الدين السيادي، والتي باتت أيضاً تجسّد أحد أهم قنوات إعادة توزيع الدخل، إذ إن 0.8% فقط من المودعين لدى المصارف يمتلكون 51.96% من الودائع فيها، بينما يمتلك 8.15% منهم أكثر من 85% من الودائع.