الحدّ من «التغلغل الصيني»
«زواج الذكاء اليهودي والرأسمال العربي»، فكرة صهيونية قديمة طرحها الرئيس الأسبق لـ«المؤتمر اليهودي العالمي»، ناحوم غولدمان، في بداية سبعينيات القرن الماضي، وروّج لها ملك المغرب السابق، الحسن الثاني. وهي مثّلت بلا شك إحدى ركائز «اتفاق أبراهام». غير أن سياق احتدام المواجهة الاستراتيجية الصينية - الأميركية أضاف إليها بعداً جديداً في نظر واشنطن، مرتبطاً بسعيها للتصدّي لما تصفه بالتغلغل الصيني في دول حليفة لها، وفي المقدّمة منها إسرائيل. يلفت زولت شيبريجي، نائب مدير الشؤون الدولية في «مركز أنتال جوزيف للمعرفة» في المجر، في مقال بعنوان «كيفية زعزعة اتفاق أبراهام للعلاقات الصينية - الإسرائيلية»، على موقع «ذي ديبلومات»، إلى أن التوتر وصل إلى أوجه بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد قيام الثانية «ببيع مرفأ حيفا إلى مجموعة استثمارية صينية مدعومة من الدولة، شاينا إنترناشيونال بورت غروب، في عام 2015. هذه العملية مثّلت تهديداً بتوسيع المراقبة الصينية للبحرية الأميركية وحلفائها في شرق المتوسط، الذي يشهد تصاعداً للتنافس بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وإيران.
ما ينطبق على إسرائيل سينطبق أيضاً على بقية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة
وبما أن الأسطول السادس الأميركي يرسو باستمرار في هذا الميناء، فإن تهديداً بالعدول عن ذلك أُبلغ للإسرائيليين نتيجة لإهمالهم الاعتبارات الأمنية وتعاميهم حيال النفوذ الصيني المتعاظم… بعد توقيع «اتفاق أبراهام» في أيلول 2020، تزايَد التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والإمارات بوتيرة مذهلة، وامتدّ ليشمل مجالات كانت قد جذبت الرساميل الصينية، بما فيها شركات التكنولوجيا المتطوّرة والبنى التحتية الحساسة. وحتى سنوات خلت، كان من غير الوارد أن توافق إسرائيل على امتلاك دولة أجنبية، وعربية بالذات، لمرافئ أو خطوط أنابيب. التغيير الحاصل اليوم يُظهر عمق التحوّلات الجارية في الشرق الأوسط مع دخول الصين إلى الإقليم والتراجع النسبي في النفوذ الأميركي فيه… أبرز مشروع يعتمد على رساميل إماراتية لتلبية احتياجات إسرائيلية هو ذلك الخاص بتطوير مرفأ حيفا، في الجهة المقابلة للجزء المملوك من قِبَل الصينيين من خليج حيفا. تعمل شركة دي. بي. وورلد الإماراتية، بالشراكة مع إسرائيلز شيبيارد أندستريز، إحدى أهمّ شركات المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، على بناء ميناء آمن بالنسبة إلى الأميركيين في هذه العقدة المحورية مستقبلاً للنقل البحري». ما ينطبق على إسرائيل سينطبق أيضاً على بقية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. فعلاقاتهم بالصين تشهد بدورها نموّاً مستمرّاً، ما يثير حنق واشنطن التي ستحاول الحدّ منه ودفعهم إلى بناء شراكات تنسجم مع أولوياتها الاستراتيجية.
خيارات بديلة للصين
سياسة احتواء الصعود الصيني من قِبَل الولايات المتحدة، والتي ترتفع مستويات حدّتها في السنوات الأخيرة، تُجبر بكين على مراجعة خياراتها. هي عملت على تطوير شراكات اقتصادية بالمعنى الواسع للكلمة مع جميع دول الإقليم، بمعزل عن خلفياتها الإيديولوجية وتحالفاتها الدولية، في إطار «مشروع الحزام والطريق»، وحقّقت نجاحات أكيدة. كما أنها اتّبعت في الشرق الأوسط سياسة تقوم على الحفاظ على التوازن بين أضلع «المثلّث الاستراتيجي» الذي يضمّ كلّاً من إيران والسعودية وإسرائيل. لكنّ الاحتواء المشار إليه، والذي يتجاوز الانتشار العسكري في جوار الصين، ليصبح مطارداً لنفوذها في أكثر من منطقة وإقليم، وإملاءات على أطراف لفكّ شراكاتهم معها أو الحدّ منها، سيحفّزها على تعزيز شراكات أخرى مع القوى المعادية لواشنطن أو غير المستتبعة من قِبَلها بشكل كامل. «معاهدة التعاون الاستراتيجي الصينية - الإيرانية» هي خطوة حاسمة في هذا الاتجاه، وكذلك المعلومات التي رشحت عن استعداد صيني للاستثمار في عملية إعادة إعمار سوريا وفي لبنان والعراق، على رغم تباين الظروف في كلّ من هذه البلدان. ستستخدم الولايات المتحدة وقوى المعسكر الغربي، المذعورة من سرعة صعود الصين، صلاتها الخاصة بـ«حلفائها» في الإقليم في القادم من السنين لمواجهته وصدّه. لكنّ للصين، من جهتها أيضاً، حلفاء «موضوعيين»، متمثّلين في القوى التي لم تتوقّف عن مقاومة هيمنة الغرب على المنطقة منذ عقود طويلة.