في حدث ليس هو الأول من نوعه في اختطاف مواطنين من الخارج، أقدم النظام السعودي، أمس، على اختطاف الكاتب والصحافي، جمال خاشقجي، من تركيا، بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، للحصول على أوراق رسمية خاصة، قبل أن يجري تسفيره إلى المملكة مساءً، وسط صمت رسمي عن أسباب الاعتقال. خطيبة خاشقجي، خديجة، سردت لوسائل إعلام تركية وعربية، مجريات اختطافه، مشيرة إلى أن خطيبها توجه إلى القنصلية لإجراء معاملات عائلية فيها قبل أسبوع، لكن موظفي القنصلية طلبوا منه العودة بعد أيام، لإتمام الإجراءات المتعلقة بمعاملاته. وعند عودته، أمس، إلى السفارة، عند الساعة الواحدة ظهراً، اختفى في ظروف غامضة، فيما أبلغها موظفو السفارة بأنه غادرها. ورغم ذلك، دخل عناصر من الشرطة التركية، بحسب ما كشفت وسائل الإعلام التركية، مبنى القنصلية في منطقة بشيكتاش في إسطنبول، للبحث عن خاشقجي، لكنهم لم يجدوه بداخلها، فيما تحققت الشرطة التركية من كاميرات المراقبة، التي أظهرت أن خاشقجي غادر مبنى القنصلية، بعد 20 دقيقة من دخولها، فظل مصير الكاتب والصحافي مجهولاً، حتى إعلان حساب «معتقلي الرأي»، أن خاشقجي وصل إلى الأراضي السعودية مساءً من تركيا، بالتزامن مع إعلان «الإنتربول السعودي»، أنه استرد «مطلوباً بقضايا احتيالية في شيكات بدون رصيد» من دون ذكر اسمه أو الإشارة إليه. الرئاسة التركية تابعت قضية اختطاف الصحافي السعودي عن كثب، أمس، حسب ما أكدت خطيبته، لوسائل الإعلام، بالقول إنها ظلت على اتصال مباشر بالرئاسة التركية في أنقرة، التي تعهدت لها العمل على كشف لغز اختفائه (قبل الكشف عن وصوله إلى المملكة)، فيما أكدت وسائل إعلام تركية، أن سلطات أنقرة، تتابع القضية على أعلى المستويات.
في ضوء ذلك، رجح مراقبون أن تؤدي عملية الاختطاف، من دون علم السلطات التركية، إلى مزيد من تأزيم العلاقات السعودية-التركية، التي شهدت، في الآونة الأخيرة، انزلاقاً ملحوظاً، إثر سياسات المملكة الخارجية، بدءاً من الحج، وليس انتهاءً بالاختلافات الجذرية تجاه التعامل مع ملفات فلسطين وسوريا والعراق والعلاقة مع إيران.
لم تكن عملية اختطاف خاشقجي سوى حلقة من سلسلة عمليات مشابهة


قبل خروج خاشقجي من السعودية، في تموز/ يوليو عام 2017، إلى الولايات المتحدة، لم يكن يحمل الرجل، الذي شغل مواقع استشارية وإدارية في وسائل إعلام رسمية في المملكة، صفة «معارض»، بل كان معارضاً فقط لتولي محمد بن سلمان ولاية العهد، إذ كان قد خرج من المملكة، عقب تولي الأخير منصبه هذا بنحو شهر، بعد أن منعه الأخير من الكتابة في الصحف، أو الظهور على شاشات التلفزيون أو حضور المؤتمرات، بسبب انتقاداته «المبطنة» لسياساته، التي بدأت في الازدياد، منذ أن منعه ابن سلمان (حينما كان ولياً لولي العهد) من إطلاق قناة «العرب»، التي كان يديرها، ويملكها الوليد بن طلال، في عام 2015، من المنامة، بعد ساعات فقط من انطلاقتها، إلى أن أعلنت الخارجية السعودية في بيان عام 2016، أن خاشقجي «لا يمثل المملكة بأي صفة»، بعد أن كان يعتبر من المقربين من دوائر القرار، في عهد الملك عبد الله.
بعد خروجه من المملكة، بدأت مواقف خاشقجي «الجارحة» لابن سلمان تتضح أكثر، في تغريدات في «تويتر»، وسلسلة مقالات كتبها في الصحافة الأميركية، وظهوره على شاشات أميركية، مثل «CNN»، المعارضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، منتقداً ومفنداً «الإصلاحات» التي روّج لها ابن سلمان في الداخل، وسعيه إلى تركيز السلطات في يده، كذلك دعاه إلى حل الأزمة مع قطر، من دون تدخلات خارجية، وإلى إقرار الحريات العامة في المملكة، بل اعتبر أنّ على ولي العهد أن يقلق من الاحتجاجات التي حدثت في إيران، مطلع العام الحالي، محذراً إياه من أن السعوديين «قد يجدون أنفسهم يجرؤون على قول إنهم يريدون بعضاً من تلك الحرية الإيرانية»، وأكد أنّ من الصعب على ابن سلمان التبرؤ من الوهابية، في خطواته ضد رموزها.
لم تكن عملية اختطاف خاشقجي، أمس، سوى حلقة من سلسلة عمليات مشابهة، نفذتها السلطات السعودية ضد أمراء ومعارضين في الخارج. إذ سبق أن اختطفت سلطات الرياض، ثلاثة أمراء سعوديين، أُجبروا على العودة إلى السعودية. أكبرهم سلطان بن تركي، الذي اختُطف في الأول من شباط/فبراير عام 2016، بأسلوب العصابات، إذ حُوِّل مسار طائرة كان يستقلها برفقة 20 من أفراد حاشيته، الذين يحملون جنسيات غربية، ليجدوا أنفسهم في الرياض، فيما أشهر «طاقم» الطائرة، أسلحتهم بوجه الأمير، بعدما راح يصيح في وجوههم، إلى أن هبطت الطائرة في الرياض. ثاني الأمراء، كان تركي بن بندر، الذي اختفى في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015، بعد إلقاء القبض عليه في المغرب، بينما كان يحاول مغادرتها إلى فرنسا، ثم رُحِّل إلى السعودية بعدها بأيام بناءً على طلب السلطات السعودية. أما سعود بن سيف النصر، الذي دخل في عام 2015، في شراكة مع اتحاد الأعمال الروسي - الإيطالي، فاختفى بعد أن استقل طائرة خاصة متوجهاً إلى إيطاليا لحضور اجتماع عمل وتوقيع العقد، إذ لم يره أو يسمع عنه أحد منذ ذلك الحين.
الممارسات السعودية ضد المعارضين في الخارج لا تتوقف على الاختطاف، بل تصل إلى التهديد بالقتل، كما حدث مع المعارض الشهير غانم الدوسري، العام الماضي، حينما هدده الأمير عبد العزيز بن مشهور، بالقتل، عبر الهاتف، فضلاً عن التجسس على مواطنين، حتى وإن كانوا يحملون جنسيات أخرى، في خرق لسيادة تلك الدول، آخرهم الناشط عمر بن عبد العزيز، الذي أعلنت وزارة الخارجية الكندية، أمس، أنها تأخذ ادعاء قيام المملكة بالتجسس عليه بجدية.