في موقف هو الأول من نوعه، وفي ما يشبه رمي «الحجّة» على القيادات العراقية، حذّر المرجع علي السيستاني من خطر «تقسيم» العراق ما لم تمضِ حكومة حيدر العبادي في تنفيذ «إصلاح حقيقي» لمكافحة الفساد. وقال السيستاني في رد على أسئلة وكالة «فرنس برس»، «اليوم، إذا لم يتحقق الاصلاح الحقيقي من خلال مكافحة الفساد بلا هوادة وتحقيق العدالة الإجتماعية على مختلف الأصعدة، فإن من المتوقع أن تسوء الأوضاع أكثر من ذي قبل، وربما تنجر إلى ما لا يتمناه أي عراقي محب لوطنه من التقسيم ونحوه لا سمح الله».
وشدد السيستاني على أن «المرجعية العليا طالما دعت إلى مكافحة الفساد واصلاح المؤسسات الحكومية وتحسين الخدمات العامة، وحذرت أكثر من مرة من عواقب التسويف وما إلى ذلك».
وأضاف: «في الأسابيع الأخيرة لما نفد صبر كثير من العراقيين واحتجوا على سوء أوضاع البلاد وطالبوا بإصلاحها، وجدت المرجعية الدينية أن الوقت مؤات للدفع قويا بهذا الاتجاه عبر التأكيد على المسؤولين ـ وفي مقدمتهم السيد رئيس مجلس الوزراء بصفته المسؤول التنفيذي الأول في البلد ـ بأن يتخذوا خطوات جادة ومدروسة في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الإجتماعية».
وحمل السيستاني السياسيين الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية معظم المسؤولية عما آلت اليه الأمور، موضحاً أن «كثيرين منهم لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية، فتقاسموا المواقع والمناصب الحكومية وفقاً لذلك لا على أساس الكفاءة والنزاهة والعدالة، ومارسوا الفساد المالي وسمحوا باستشرائه في المؤسسات الحكومية على نطاق واسع، فأدى ذلك كله ـ بالإضافة إلى غياب الخطط الصحيحة لإدارة البلد وأسباب أخرى ـ إلى ما نشهده اليوم من سوء الأوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات العامة».

مجموعة من
القرارات للعبادي تنفيذاً للحزم الإصلاحية

وفي إشارة إلى تداعيات الفساد على الوضع العراقي، رأى السيستاني أنه «لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ولا سيما المؤسسة الأمنية، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الامر لما تمكن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسم كبير من الأراضي العراقية». وكان السيستاني قد دعا العبادي في 7 آب إلى أن يكون «أكثر جرأة وشجاعة» في الإصلاح ومكافحة الفساد.
وحضّ المرجع الديني في حينه رئيس الوزراء على ألا يكتفي «ببعض الخطوات الثانوية»، وأن يتخذ «قرارات مهمة وإجراءات صارمة في مجال مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الإجتماعية».
على صعيد متصل، أعلن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أمس، مجموعة من القرارات تتضمن إصلاح نظام الرواتب والمخصصات، بالاضافة إلى تشكيل لجنة عليا تعنى باختيار المرشحين للمناصب العليا، وتخفيض أعداد حمايات المسؤولين والرئاسات.
وأعلن مكتب العبادي، في بيان أمس، تأليف لجنة عليا لإلغاء الفوارق في الرواتب عبر إصلاح نظام الرواتب والمخصصات وإلغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين، فيما قرر خفض الحد الأعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين. وأفاد البيان أن العبادي وجه بـ« تقديم توصيات من قبل ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة، لتفعيل دور المفتشين العموميين، وتقديم معايير قياسية لملاكات مكاتبها بما يؤدي الى ترشيقها وإيقاف الترهل فيها، إضافة إلى تقديم معايير لتقييم أداء المؤسسات الرقابية في موعد أقصاه 31 آب الحالي». وأشار البيان إلى أنه جرى تحديد موعد أقصاه 31 آب الحالي لتنفيذ قرار «إلغاء مواقع المستشارين في الوزارات خارج الملاك، سواء كانت على الملاك الثابت أو المؤقت، وتحديد مستشاري الرئاسات الثلاث، بخمسة مستشارين لكل رئاسة».
وقال البيان إنه «وجّه العبادي بإعادة تخصيصات مكاتب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء الملغاة إلى الخزينة العامة للدولة».
وفي سياق متصل، قال البيان الصادر عن مكتب العبادي، إنه «ستؤلف لجنة عليا برئاسة وعضوية عدد من المختصين من هيئة النزاهة، ووزارة التخطيط، وخبراء من مراكز التنمية في القطاع الخاص، والمستشارين والاكاديميين، تعنى باختيار المرشحين للمناصب العليا».
وأشار مكتب العبادي إلى أنه تقرر أيضاً «تأليف لجنة عليا لإخضاع الوزارات والجهات غير الوزارية، إلى المساءلة والمحاسبة من خلال برامج تقويم معدة لهذا الغرض، وتتولى اللجنة مهمة تقديم تقارير دورية (فصلية وسنوية ) إلى رئيس مجلس الوزراء».
كذلك قرر العبادي، أمس، خفض أعداد حمايات المسؤولين والرئاسات بنسبة 90% ، فيما وجه بإعادة هيكلة أفواج الحماية الخاصة بالرئاسات الثلاث.
وأضاف البيان، أن «هذا القرار يوفر لموازنة الدولة ما يزيد على 20 ألف عنصر أمني تتجاوز رواتبهم 250 مليار دينار سنوياً».