مرة أخرى، تثبت مؤسسات النظام السياسي الإسرائيلي، بمن فيهم السلطة القضائية العليا، أنهم إسرائيليون قبل أن يكونوا مهنيين. وعلى ذلك، تتقدم الاعتبارات الأمنية والسياسية أيضا، على أي عناوين أخرى حملها الكيان وتغنى بها مثل العدالة وحقوق الإنسان.بناء عليه، لم يأتِ قرار المحكمة العليا في إسرائيل بتعليق الاعتقال الإداري لمحمد علان، سوى استجابة لتوصيات الأجهزة الأمنية التي تخوفت من مفاعيل الخضوع لإرادة معتقل فلسطيني استطاع أن ينتزع حريته بدمه.
وبرغم تدهور الحالة الصحية للمعتقل الفلسطيني في السجون الإسرائيلية، علان، فقد ربطت «المحكمة العليا» إطلاقه بتدهور وضعه الصحي، وتحديداً بعد أن يتحول إلى شخص معوق جسدياً. ونتيجة هذا القرار تقرر إبقاؤه في المستشفى وإجراء فحوص له، فإن اتضح أنه تعرض لضرر دماغي، يمكن في هذه الحالة تحريره.
وتناغم أداء السلطة القضائية في هذا القرار مع اعتبارات السلطة الأمنية في إسرائيل، التي حرصت على توجيه رسالة إلى كل المعتقلين الإداريين مفادها بأنها لن تتجاوب مع إضراب أي منهم عن الطعام، إلا بعد إصابته بعارض صحي يطيح جسده في أدنى الأحوال.

ومن بين الخيارات التي توافرت أمام السلطة السياسية في إسرائيل، وقع خيار السلطة القضائية على قرار سعى إلى اجتراح مسار يجنب المؤسسة الإسرائيلية الخضوع لإرادة علان، وفي الوقت نفسه يمنع موته. من هنا أتت محاولات الأجهزة الطبية في إسرائيل في محاولة معالجته لإبقائه على قيد الحياة، حتى لو بقي معوقاً، والحؤول دون تحريره سليماً معافى.
مع ذلك، وفي محاولة لتثبيت سقف رفض الرضوخ لمطالب المعتقلين الإداريين، لقي قرار «المحكمة العليا»، انتقادات في الساحة السياسية الإسرائيلية. فقد حذر وزير الداخلية، غلعاد اردان، من «الرضوخ» للمضربين عن الطعام، موضحاً أن ذلك يوفر دافعاً لحالات جماعية من الإضراب عن الطعام لمعتقلين إداريين يمكنهم ابتزاز إسرائيل بهذه الطريقة.
وردت وزيرة الثقافة ميري ريغيف، على القرار بالقول إن «المحكمة العليا» رضخت لابتزاز علان بدلاً من تطبيق قانون الإطعام القسري عليه. كذلك، رأى الوزير اوري اريئيل، أن إطلاق علان يمثّل مقدمة خطيرة لاستمرار ابتزاز إسرائيل.
في السياق نفسه، حذَّر أحد قادة المستوطنين والكاتب في صحيفة «هآرتس»، إسرائيل هرئيل، من الاهتمام الذي حظي به علان في وسائل الإعلام الأجنبية. وانتقد المستوى السياسي «الذي ينفخ صدره في البداية ويقول إنه غير قابل للابتزاز ثم في نهاية الأمر يرضخ للضغوط». وتساءل هرئيل: «ماذا سيحدث لو أضرب عشرات أو مئات المعتقلين الإداريين؟»، فرأى أنه وفق ما تظهره الحكومة من «قوة صمود»، لا شك أنهم سيحققون مطالبهم... «ثم يأتي المحكومون بالمؤبد الذين سيضربون عن الطعام كما يفعل مقاتلو الحرية».
من جانب آخر (الأخبار)، أكد محامي علان، جميل الخطيب، أن الأسير علق اليوم (أمس) إضرابه عن الطعام وأن تحسناً طفيفاً طرأ على صحته. وأوضح الخطيب، في اتصال بإذاعة محلية أن «علان يمكنه التحدث بصورة جيدة، وقد بدأ بتناول المدعمات والعلاجات اللازمة بعد تعليق الإضراب». وأضاف: «بإمكان علان الانتقال إلى أي مستشفى آخر أو العودة للبيت في حال انتهاء العلاج»، مشيراً إلى أنه غير محاط بحراس أو سجانين كما كان سابقاً.