غزة | بسرعة غير معهودة، نفت حركة «حماس»، في بيان خصّت به وكالة الأنباء التركية (الأناضول)، ما قيل في الإعلام الإسرائيلي عن قرار تركي بطرد القيادي البارز في الحركة والمنفي إلى الخارج، صالح العاروري، بعدما ثارت الأخبار حول هذا «الخبر غير العادي» بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين ضجوا بدور العاروري الأمني في الضفة المحتلة واتهموه بأنه يحرك «الإرهاب» من منفاه.
في هذا الحديث، قيل إن أجهزة استخبارات إسرائيلية قدمت معلومات إلى أنقرة فيها «أشرطة مصورة» تتحدث عن مفاخرة العاروري أن بإمكانه تنفيذ هجمات من أي مكان هو فيه، عبر ناشطين يتبعون لـ«حماس» في الضفة. وبغض النظر عن مدى دقة ما قيل، مع أن مصادر في الحركة أكدت ذلك، فإن الشكاوى الإسرائيلية وإعلاء الصوت في الإعلام بلا شك تثير إحراجاً لتركيا، رغم علاقاتها المعروفة بالعدو الإسرائيلي على أكثر من صعيد: استخبارياً وعسكرياً واقتصادياً.
وقبل أيام قليلة، كان يتحدث المراسل العسكري للقناة الأولى العبرية، أمير بار شالوم، نقلاً عن مصادر قال إنها سياسية وأمنية إسرائيلية، بأن تركيا طلبت من العاروري مغادرة أراضيها «ربطاً بضلوعه في أعمال إرهابية ضد إسرائيل». ولكن مصادر فلسطينية تقول إنه جرى في الأيام الأخيرة (قبل زيارة رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، الجارية، لتركيا) حديث بين الحركة وأنقرة في هذا الشأن، خلص إلى ضرورة أن يخفف العاروري وطأة تصريحاته، خاصة أنه صار خصماً لدوداً لرئيس السلطة محمود عباس، بعدما أعلن الأسير المحرر من تركيا مسؤولية «حماس» عن عملية قتل ثلاثة مستوطنين في الخليل المحتلة بعد اختفائهم، وهو ما نشبت بعده الأحداث المعروفة في القدس المحتلة وحرب غزة، صيف العام الماضي.

خالد مشعل أجرى اتصالاً
ليطمئن على صحة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر

رغم ذلك، ورد أن العاروري لم يسرْ كما يريد الأتراك، بل عاود الحديث عن إمكانية إشعال الضفة في وجه إسرائيل أمام طلبة فلسطينيين مقرّبين من «حماس» ويدرسون هناك، وذلك خلال جلسة في مكان إقامته، كما تفيد مصادر من الحركة. أمر أعاد إشعال فتيل الأزمة، ثم شعرت «حماس» والدوحة بأن العاروري قد يكون شخصاً «غير مرغوب فيه»، قبل أن تصل الأطراف المعنية إلى حل ويصدر تصريح مسؤول الملف الدولي في «حماس»، أسامة حمدان، لوكالة «الأناضول»، نافياً فيه أن قطر تستعد لاستقبال العاروري، ومؤكداً أن ما يجري «تشويش وتحريض إسرائيلي».
القيادي في «حماس»، أحمد يوسف، وهو صهر الأتراك وصديق السفير التركي لدى السلطة الفلسطينية مصطفى سارنتش، تحدث إلى «الأخبار» عن أن العاروري قد يكون، بتصريح أو بآخر، أزعج تركيا أو أحرجها في الموقف الدولي، ولكنه أكد أنه لا يزال في أنقرة ولم يغادرها. وأضاف يوسف: «القيادي العاروري رجل مسؤول، وحتى لو صرّح بطريقة غير مناسبة فهذا ليس شراً كبيراً... التصريحات التي لها أبعاد عسكرية وأمنية غالباً لا ترتاح لها الدول لأنه قد يُساء فهمها».
مصادر في «حماس» أكدت أن القضية انتهت بعد جدل بين وزير الداخلية ورئيس المخابرات في أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وعد بحل القضية، فأخذ ضماناً من خالد مشعل بمنع تكرار «الحديث المحرج» لبلاده مجدداً. وذكرت المصادر أن الدور الأبرز في إبقاء العاروري يعود إلى رجل أردوغان الأول، وهو رئيس المخابرات حقان فيدان، ثم وزير الداخلية صباح الدين أوزتورك، علماً بأن فيدان كان يشغل منصب رئيس المخابرات العامة منذ عام 2010 حتى استقالته قبل أشهر، ولكنه عاد إلى منصبه مجدداً بطلب من أردوغان نفسه.
وبشأن الزيارة الجارية حالياً، فإن لقاءات مشعل مع أردوغان، إضافة إلى مسؤولين آخرين منهم رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، كانت مغلقة ولم يصدر عنها ما يوضح الموقف من هذه القضية أو غيرها. ولكنها أتت بعد أسبوعين على اتهام وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعلون تركيا باستضافة العاروري، قائلاً: «محاولات تفعيل خلايا ناشطة في الضفة تصدر من مقار حماس في غزة وإسطنبول، حيث يخطط صالح العاروري لهجمات ضخمة ضدنا عبر وكلاء له في الضفة والدول المجاورة».
ولكن قناة «بي بي سي» نشرت حواراً مع مشعل أمس، لم يتطرق فيه إلى هذه القضية، مكتفياً بالتأكيد أن الحركة «لا تتدخل في شؤون مصر وسوريا»، وأن «العلاقات التي تبنيها حماس مع عدد من الدول العربية هدفها حشد الأمة العربية من أجل معركة فلسطين». وبشأن السعودية قال: «السعودية تمثل دولة محورية في المنطقة ويجري العمل حالياً على بناء صفحة جديدة معها».
في سياق متصل (الأخبار)، أعلنت «حماس» أمس أن مشعل أجرى اتصالاً هاتفياً مع مساعد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، «السيد هراير باليان، للاطمئنان على صحة كارتر بعد صدور تقارير طبية حول حالته الصحية». ونقل الموقع الرسمي للحركة أن «مشعل» أعرب عن تعاطفه مع «كارتر وعائلته الكريمة»، متمنياً له الشفاء العاجل، بعد الكشف عن إصابته بسرطان انتشر في أجزاء أخرى من جسمه.