طهران | «عامان والجمهورية الإسلامية الإيرانية تلاحق الحوار مع المملكة العربية السعودية، والرياض تتهرب». عبارة لمدير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية حسين أنصاري، تختصر جهود طهران لكسر الجمود في العلاقات مع السعودية، منذ انطلاق الأزمة السورية، سبقتها خلافات بشأن العراق وحرب لبنان، عام 2006، لتتدهور، اليوم، بعد العدوان على اليمن.
الاتفاق النووي بين إيران والغرب شارف على أن يطوي إحدى صفحات كتاب الأزمات المفتوح في المنطقة. وما كان مستحيلاً بالحرب انتهى بالمفاوضات. تنازل الجميع وغَنِم، فكانت صيغة رابحة للطرفين رغم بعض الخسائر. تجربة تريد منها طهران، بتشجيع روسي، وأجواء دولية مساعدة، أن تشكّل منطلقاً لحل أزمات المنطقة، خصوصاً أن منظومة «الممانعة» تعني إيران وتربطهما وحدة مصير ووجود.
أصبحت إيران محطة ترحيب دولي، بعدما كانت حروب المنطقة، بجزئها الأكبر، سعياً إلى فك ارتباط سوريا واليمن ولبنان والعراق... بطهران. اليوم، هناك مطلب دولي بدور إيراني فاعل للمشاركة في حلحلة الأزمات المنتشرة على امتداد الإقليم، إضافة إلى المتغيرات في الرؤية، بعدما أصبح الإرهاب والتكفير لغة تهديد مشاركة للجميع، وبدأت ارتدادات الإجرام التكفيري تعود إلى دول المنشأ عربياً، آسيوياً، وأوروبياً.
مفتاح الحل لكثير من الأمور بيد طهران، والقفل بيد السعودية. لازمة تسهّل فهم الكثير من أزمات المنطقة. لذا، جاءت أولى زيارات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لدول خليجية على حدود السعودية، حيث صرّح وخاطب الخليجيين، بلغة الودّ، لتسمعه السعودية التي صمّت آذانها أصوات المدافع في اليمن.
انطلقت المبادرة الإيرانية المعدلة مع حفاظها على «الخطوط الحمر»: «وحدة سوريا، هيكلية النظام والحفاظ على الجيش، وشخص الرئيس بشار الأسد»، وكل ما عداه من تسريبات للبنود تفاصيل لن تكون مهمة، في حال بقيت هذه الأركان ضمن إطار الحل مجتمعة.
إيران التي تتحرك بمواكبة روسية في اتجاه السعودية، أتاها الرد من موسكو على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: «لا لبقاء الرئيس الأسد، واعتماد جنيف واحد كأساس للحل». تصريح قرئ في طهران بالمحاولة السعودية لرفع سقف المطالب عالياً جداً، خصوصاً أنها تأتي من وزير خارجية سعودي اتُّهمت إيران بمحاولة اغتياله، أواخر عام 2011، حين كشفت وثائق «ويكيليكس»، مسربة من عام 2007، قوله للسفير الأميركي في بلاده إنه «يجب وضع حدّ للخطر الإيراني».
السعودية تريد، بحسب الرؤية الإيرانية، دمج الملفات كافة في سلة واحدة، كي تحقق مكاسب في أي تسوية. فهي تعتقد بأن إيران وحلفاءها يسبقونها في خطوات، ميدانياً في سوريا، بينما تعتبر نفسها صاحبة اليد العليا في اليمن، وتحاول فرض شروط للتفاوض لتعطي هنا وتأخذ هناك. سياسة ترفضها إيران بعد التجربة النووية؛ فتفكيك الملفات يؤدي إلى ضيق الخيارات ويصعّب مهمة التفاوض، ولكنه يحصرها ويقلّل من خسائرها. وبالتالي يمكن تفسير الدعوة الإيرانية التي أطلقها ظريف للسعودية، قبل أيام، لحوار بخصوص اليمن، فيما تمّ إطلاق مبادرة معدلة تجاه سوريا. ظريف كان دقيقاً في استخدام كلماته التي غابت عنها عبارات «حلّ أزمات المنطقة»، منعاً لتوسيع دائرة البحث ولتفكيك الأزمات لحلّها كلّ بحسب طبيعتها.
إطلاق النار السعودي على المبادرة الإيرانية، قبل أن تبصر النور، يندرج في إطار المخاوف السعودية من أن تبقى وحيدة، خصوصاً أن العزلة الدولية التي كان يجري الحديث عنها تجاه طهران انحسرت، وتصدرت أخبارها اهتمامات العالم، فيما بات مال النفط السعودي أقلّ بريقاً من إغراءات الاستثمار في إيران.
بحسب المعلومات الواردة من أروقة وزارة الخارجية الإيرانية، فإن طهران ستحاول من جديد طرق الأبواب السعودية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة. ولكن الحلّ سيعالج كل ملف على حدة، مع الأخذ في عين الاعتبار المحاولات الإيرانية لتحشيد أكبر تأييد لتشكيل ائتلاف إقليمي لمكافحة الإرهاب، ربما يستند إلى مساعدة غربية قد لا تكون عسكرية، لكن ذات بعد معلوماتي واستخباري، يؤدي إلى وقف تدفّق السلاح إلى سوريا والعراق، عبر دول الجوار، ودعم القوى المقاتلة والفاعلة على الأرض سياسياً وتسليحياً، لاستكمال مهمات تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة المسلّحين، على أن تؤخذ في الحسبان خيارات هذه الدول، من خلال التنسيق المباشر والرسمي مع الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، للمساهمة في تنفيذ ضربات جوية لمواقع المسلحين وطرق إمدادهم. إضافة إلى ذلك، يجري العمل على إقناع الدول المحيطة بمناطق الأزمة بوقف تنسيقها مع المجوعات المسلّحة وفتح باب المصالحة لتسوية أوضاع المسلّحين، خصوصاً في سوريا، على أن تكون الحرب على كل من يرفع السلاح بوجه الشرعية المعترف بها دولياً.
مخاض تفاوضي عبر وسطاء في روسيا وسلطنة عمان، تحت أنظار واشنطن، ومحاولة للانسلاخ من فكرة المحاور والدخول لإطفاء النيران كفريق واحد، وليس طرفاً في الصراع. إلا أن من الصعب، حتى الآن، التفكير في فكرة توحيد الجهود، ما لم يحقق أحد الأطراف مفاجآت في الميدان تسمح بجر الطرف الآخر إلى طاولة المباحثات.