المنامة |لم يكن المواطن البحريني يتوقع أن تبلغ الأزمة في البحرين حدّاً تلجأ فيه الحكومة الى تشكيل ميليشيات من الأهالي، بذريعة حماية مناطقهم من إخوان لهم في الوطن. وأن تجري هذه الخطة على هذا النحو العلني والمفضوح، وأن تغلّف بأهداف وأبعاد وطنية. كل هذا من أجل مواجهة المطالب السياسية لغالبية الشعب البحريني، الذي دأب على المطالبة بها منذ ولادته واتخذت زخماً جديداً مع انتفاضة 14 شباط، من دون أن تنزع رداء سلميتها.
كل أحداث وتطورات ما بعد 14 شباط لم تكن إلا صدمات توالت على المواطنين، بدءاً من أحداث 18 شباط، مروراً بتجمّع «الفاتح» الذي بدأ يتحدث عن حقوق السُنّة في البحرين، وهو ما أحدث شرخاً وطنياً لم يسبق له مثيل، أشعل ما في النفوس وكاد أن يدخل البحرين في حرب أهلية طائفية بين السنة والشيعة، وصولاً الى أحداث الجامعة ودخول الملثّمين للاعتداء على الطلبة، ثم دخول قوات «درع الجزيرة» الخليجية، وليس انتهاءً بتشكيل «لجان أهلية» في المناطق والقرى السنية، تحت مسمّى «الحميّة»، نواة البرنامج الذي بدأ تطبيقه مع رفع حالة السلامة الوطنية (الطوارئ)، أمس وهو من بنات أفكار محافظ المنطقة الجنوبية عبد الله بن رشاد آل خليفة. المحافظة التي تقع فيها منطقة الرفاع، حيث قصور الأسرة الحاكمة والديوان الملكي والعائلات السنية الموالية للنظام. ويفترض أن يجري تعميم هذا البرنامج على باقي المحافظات في البحرين.
برنامج «أمن ذاتي» طائفي بامتياز. يتولّى فيه متطوعون من الأهالي حماية المناطق بأنفسهم من اعتداءات «المخرّبين»، وهي كلمة يستخدمها النظام في وصفه لما يقارب من 400 ألف مواطن أو أكثر، احتشدوا في دوّار اللؤلؤة. دشّن هذا البرنامج عبد الله بن راشد، قائلاً إنه «البرنامج الأول من نوعه في المملكة ويهدف الى حماية أهل المحافظة الجنوبية من الخارجين على القانون في أعقاب الأحداث المؤسفة»، وقد أنشئ هذا البرنامج «ليؤهل المتطوعين ويؤمن لهم الحماية لأنفسهم للتصدي للمخاطر وحماية أهل منطقتهم». وقال إن البرنامج يتمّ «بالتنسيق مع الجهات الأمنية التي ستدرّب هؤلاء المتطوعين وتؤهّلهم علمياً في دورات طبية، من أجل تكوين قاعدة من المتطوعين لضمان استمرارية مهماتهم في الطوارئ، أو عند الحاجة الى استدعائهم».
وبعد الانتقادات التي وُجهت لهذا البرنامج، خرج عبد الله بن راشد مبرّراً ليقول إن «له أبعاداً وطنية، وإنه انبثق من الأهالي أنفسهم رغبةً منهم في العمل التطوعي خدمة للقيادة». وأضاف إن دوره «وقائي بالدرجة الأولى» وإنه استباقي لدور الشرطة، حيث يعمل على «منع أي حادث أو جريمة». ولفت الى أن دراسة تقويمية رفعت الى وزير الداخلية راشد بن عبد الله آل خليفة، وتحدث عن مشروع تطبيقه في المحافظات الخمس الأخرى، مؤكّداً أن هذا البرنامج ليس له أي «علاقة بالتدريبات العسكرية، ولن يدرّب المتطوعون على حمل السلاح، لأن هذا الأمر تتكفل به الجهات العسكرية والأمنية المختصة»، لكن ما يجري على الواقع والخطط التي تعدّها الحكومة لمثل هذه التدريبات ينسف هذه التصريحات، ولا سيما أن الأفضلية لقبول المتطوعين هي لذوي الخبرة العسكرية.
ويظهر أن رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي ازدادت قوّته على نحو مخيف في الآونة الأخيرة، إلى درجة أخافت جناح الملك وولي العهد، راغب في خوض معركته الأخيرة عبر برنامج «الحميّة» لتدريب الموالين له عسكرياً. وعلمت «الأخبار» أنّه سيتم تدريب هؤلاء في السعودية لمدّة لا تزيد على أسبوعين. وقد حصل رئيس الوزراء على موافقة مبدئية من المملكة لهذا الأمر، وكان يخطط لإرسال دفعة أولى، غالبيّتهم من الملثّمين الذين حرّضوا على الهجوم على جامعة البحرين، وحرسوا المناطق والقرى السنية قبل دخول قوات «درع الجزيرة». وقد دفعت مبالغ مالية لهم لا تقل عن 300 دولار للفرد الواحد، وكان سيخصّص رواتب لكل من سيدخل برنامج «الحميّة».
وأُنيط بقائد الجيش ووزير الدفاع المشير خليفة بن أحمد آل خليفة الإعلان عن قوة دفاع رديفة ستشكّل عبر قانون. وجرى الإعداد لمعسكر تدريب تابع لوزارة الداخلية، محاذٍ لمطار البحرين الدولي لاستقبال أشخاص متطوّعين أيضاً. وسيعمد الجيش الى تدريبهم عسكرياً لإنزالهم لاحقاً في المناطق السكنية، إذ تعتبر وزارة الدفاع المؤسسة التي يمتلك فيها الملك نفوذاً أعلى من نفوذ رئيس الوزراء.
خطة رئيس الوزراء لإنشاء ذراع عسكرية أثارت مخاوف الملك وولي العهد، وخصوصاً في ظل سيطرة تامة للأول على المحافظين جميعهم بلا استثناء. وهو ما دفع الملك إلى التحفّظ على هذا المشروع الذي لم يجر العمل به رسمياً حتى الآن. الملك يشعر بالتهديد الجدّي، لذلك أنشأ الحرس الملكي، الذي يشرف عليه نجلاه على نحو مباشر، ناصر وخالد. وهذا الحرس هو عبارة عن أخلص المنتمين لمنطقة الرفاع من عسكريين حاليين أو سابقين، ومن متطوعين يريدون الدفاع عن الملك تحديداً. وهم قد انتشروا منذ دخول قوات «درع الجزيرة» في منطقة الرفاع، وهؤلاء أنفسهم يحرسون قصر الصافرية، مقرّ إقامة الملك.
«كل هذه المؤشرات تجعل المعارضة أقرب إلى تصديق أنه لا أحد يمكن محاورته سوى ولي العهد. فحتى الملك يُبدي استعداده لدخول حرب أهلية، أما الشخص الوحيد الذي يبحث عن الحلول السياسية بعيداً عن التلويح بالعصا العسكرية فهو ولي العهد، الذي غيّب طوال فترة قانون السلامة الوطنية، والذي عاد أخيراً إلى الواجهة بتصريحاته التي أطلقها من العاصمة لندن»، على حدّ تعبير بعض أطياف المعارضة.