قفصة | قفصة الولاية المنجمية، التي تقع في الجنوب التونسي، تتميز بتنوع أصول سكانها الذين ينقسمون الى فروع عديدة تعرف لدى أبناء تونس بالعروش، أو كما يعرف لدى المشرقيين بالقبائل. وتعدّ قبيلة الهمامة، كبرى القبائل في البلاد التونسية، وتتفق كل الروايات على أن الجدّ الأول للهمامة هو همّام الذي أعطى اسمه لها، وإن اختلف الروّاة حول الوجهة التي قدم منها، أهي الحجاز أم الشام، فإن ما لا يختلف فيه اثنان هو الأصول العربية للهمامة.

المجموعات السكنية التي تقطن مدن ولاية قفصة في الوقت الحاضر تعرف بأولاد أمعمر وأولاد تليجان وأولاد أمحمد وأولاد يحيى والعكارمة واعليم والسند وأولاد أسلامة. وعلى مرّ التاريخ عرفت علاقات العروش تجاذبات تتحكم فيها المصالح الذاتية، وقد عمد نظام الحبيب بورقيبة، ومن بعده بن علي، الى تجذير العروشية ببعث الشّعب الترابية، وهي خلايا الحزب الحاكم على أساس شعبة لكل عرش، ولكل شعبة أفضلية على الأخرى بمقدار تقديم الولاء والطاعة.
هذه المقدمة كان لا بد منها لمعرفة أسباب ما تعيشه الثورة التونسية من انتكاسة تهدد ما حققه الشعب، فقد سُجلت طوال الشهرين الماضيين أحداث مؤلمة خلفت قتلى لأسباب تافهة. الأحداث كانت تقريباً متشابهة، معركة بين شخصين، من رفاق الحي الواحد، تمتد بسرعة الى العائلات ذات اللقب الواحد وتكون معركة حامية الوطيس، لتكون لعبة التحالفات بين العروش بمقدار أهمية كل عرش وثقله على المستوى الجهوي (المحلي). فمدينة المتلوي شهدت معركة بين أولاد بويحي من جهة وأولاد سلامة من جهة أخرى، وخلّفت قتيلاً وعدداً من المصابين. هذه المعركة التي اندلعت منتصف شهر آذار، جاءت على إثر بيان كاذب يفيد بانتداب عاطلين من العمل لفائدة شركة فوسفات قفصة بنسبة متفاوتة لعرش على حساب الآخر. معركة استُعملت فيها بنادق الصيد وكل الأسلحة الممنوعة قانوناً، وأدّت التحقيقات الأمنية إلى إيقاف مجموعة من أعيان الولاية، بينهم أعضاء برلمان ومنتمون للحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع.
ومع مطلع شهر نيسان، شهدت معتمدية (منطقة) المضيلة المحاذية لمدينة المتلوي معركة أخرى بين أولاد أمعمر وأولاد يحيى وبسيناريو مشابه: شاب أراد أن يحتسي الخمر عنوة في مقهى عمومي وصاحب المحل يرفض ذلك، والنتيجة معركة بين العروش خلّفت قتيلاً متأثراً بطلق ناري وفرض حظر التجول وإيقاف العديد من المشبوهين والمقربين من الحزب الحاكم.
«نحن على يقين أن من يقف وراء هذه الأزمة المفتعلة هم أذناب التجمع الوحيدون الذين لهم مصلحة في تواصل هذا الانفلات الأمني»، هكذا تحدّث نجيب، أحد شباب أولاد أمعمر المتضررين من المعركة. ويضيف «لن يهدأ لنا بال إلا حين إيقاف كل المتورطين في القضية. وبالرغم من الحديث حول استقلال القضاء، فإن كل المؤشرات توحي بأن هناك تساهلاً مع المتهمين. وهذا يؤكد أن هناك أيادي خفية تحرّك خيوط اللعبة من خلف الستار».
وفي معتمدية السند، امتدت مناوشة بين تلميذين بالمعهد الثانوي الى صراع بين الكبار لتصبح مأساة قاتلة، أدّت إلى سقوط قتيلين. أحد شهود العيان أكد أنه رأى وجوهاً عُرفت بولائها للحزب البائد وليس لها أقارب بالمعهد، وهي تحمل العصي متجهةً نحو ساحة المعركة، وهو ما يؤكد أن المعركة هي «نتيجة لأمر دبّر بليل».
تتالي هذه الأحداث، التي تأتي على أثر أي محاولة للتشهير بممارسات نظام بن علي، أو مع كل إجراء قضائي، يؤكد أن حزب التجمع وراء كل ذلك، إضافة إلى تجذير نعرة العروشية، يسانده في ذلك تقاعس رجال الأمن عن أداء واجبهم، وهو ما أكده محافظ قفصة أثناء لقائه بأعضاء المجلس الجهوي لحماية الثورة بقفصة.