يبدو أن الولايات المتحدة، ومعها فرنسا وبريطانيا، بالتعاون مع الدول الأخرى التي تشكل مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا، قد دخلت مرحلة العمل على تثبيت أمور عدة في الجانب السياسي، حيث تتحرك على إيقاع الضربات الجوية، التي تطال قوات العقيد معمر القذافي في أكثر من منطقة ليبية.
قد يكون اعتراف فرنسا، ومن بعدها قطر بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلاً للشعب الليبي، خطوة أولى على طريق شرعنة المعارضة، مع أن تعاطي بقية الدول التي تعمل ضمن مجموعة الاتصال مع المجلس يؤكد اعترافها به بديلاً من سلطة معمر القذافي في طرابلس. بيد أن إرسال كل من واشنطن وباريس مبعوثاً لها الى بنغازي، بات يشير بوضوح إلى قبول رئيس المجلس الوطني الانتقالي، محمود جبريل، ممثلاً عن الشعب الليبي، وبالتالي يشكل بداية اعتراف بالسلطة الانتقالية. ومن شأن هذه المبادرة، حسبما يرى المعارض الليبي صالح جعودة، أن تضع القذافي أمام خيار واضح بأنه لم يعد يملك سلطة أمام المجتمع الدولي.
ولعل توقيت هذه المبادرة، عشية تسليم القيادة العسكرية لحلف شمالي الأطلسي، هو «محاولة إيجاد غطاء سياسي للعمليات بعد هذا الجدل الكبير بشأن قيادة الأطلسي أو عدمها»، كما يقول جعودة. وبالتالي كان حضور قطر والإمارات وتركيا بمثابة الغطاء العربي الإسلامي للتدخل العسكري في ليبيا، وخصوصاً أن تسلم الأطلسي وحده زمام الأمور يمكن أن يثير امتعاض وغضب الرأي العام، الذي سينظر الى العملية في إطار صراع الغرب والشرق أو المسيحية والإسلام.
وعما إذا كان اعتراف الدول بحكومة بنغازي الانتقالية يؤسس لواقع تقسيمي في ليبيا، أوضح جعودة، في اتصال مع «الأخبار»، أن التقسيم غير ممكن أبداً، إنما تأتي هذه الخطوات لتقول للقذافي «لم يعد أمامك مستقبل لتحكم». ويرى أن وجود قرار سياسي في يد مجموعة الاتصال التي تطبّق قرار مجلس الأمن الأخير بشأن فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، هو لشرعنة تسلّم الأطلسي قيادة العمليات في الهضبة الأفريقية، بينما ستؤدي هذه المجموعة، التي ستجتمع المرة المقبلة في الدوحة، دوراً في إيجاد التوازن حتى لا يخرج الحلف عن المسار المرسوم له في القرار 1973.
ففي نظر المعارض الليبي، أن الصيغة الجديدة لا تسمح لأحد بأن يخرج عن قرار مجلس الأمن. وإذا خرجت الدول الكبرى عن الشرعية الدولية، فإن الثوار مستعدون لقتال الطرفين (التحالف والقذافي)، مذكّراً بأن أول سلاح طيران تستعمله دولة معتدية في التاريخ كان على يد إيطاليا الفاشية في ليبيا.
ويكشف المعارض الليبي عن وجود ثلاث خطط كانت مطروحة، وبدعم إسرائيلي، أولاها تأجيل قرار التحالف بضرب مراكز النظام الليبي، لكي يتمكن القذافي من إعادة استجماع قوته. والثانية تقضي بأن تهدأ منطقة غرب ليبيا، لتبقى ولاية طرابلس في أيدي سلطة القذافي، والثالثة، تمكين أحد أبناء القذافي من تسلم السلطة بعد خروجه من الحكم. لكن رد المعارضة كان بعدم قبول التقسيم وعدم الموافقة على أي أحد من عائلة العقيد الليبي في الحكم «ولو لليلة واحدة» وإصرار على «خروج القذافي بكرامته».
على الصعيد الميداني، بدت المعارضة في حال تقهقر في الأيام الأخيرة رغم الغطاء الجوي الذي أمنته لها طائرات الحلفاء. وعن هذه الإشكالية، يقول مصدر في المعارضة الليبية إن صعوبة التواصل الجغرافي بين المناطق التي يسيطر عليها الثوار أحد الأسباب، إضافة الى انسحابات تكتيكية تقوم بها المعارضة تفادياً لتعرضها لقصف من مواقع كتائب السلطة.
ويذهب المصدر المعارض أبعد من ذلك في شرحه للواقع الميداني، قائلاً «حتى مدفعية الميدان، تكون الذخيرة بيد شخص والإبرة بيد شخص آخر موثوق من السلطة، والمدفع أو المصفّحة بإمرة شخص ثالث حتى لا ينفرد أي منهم بالسلاح». لذلك تعاني المعارضة من عدم اكتمال العتاد الذي تستولي عليه.
وعن سبب اندفاعة القوات الحكومية في الأيام الأخيرة، يكشف مصدر من الثوار أن العقيد الليبي استقدم «حراس الماس» من الكونغو، وهم مجندون محترفون يعملون في شركة تتعهد حماية الماس في بعض الدول الأفريقية.
في أي حال، تبقى مدينة الزنتان بيضة القبان في المعارك الدائرة بغرب البلاد، ففي هذه المدينة الواقعة بالجبل الغربي يبدو الوضع معقداً، فبسبب وجود المدنيين لم يضرب الثوار أرتال القذافي التي دخلت بين الأحياء الشعبية. ولعل أهمية المدينة، إلى جانب بلدتي نافوسة وغريان اللتين أصبحتا بأيدي الثوار، هي أنها إذا تحررت بالكامل فسيكون الزحف نحو طرابلس أسهل. لأن ترك الزنتان بيد السلطة يعني تعريض ظهر الثوار وأهلهم من القبائل المقيمة هناك للهجوم من كتائب القذافي. فالزنتان هي مفتاح النصر للمعارضة في الجبل الغربي، والدافع لاحتضان هذه المعارضة من أهالي المنطقة، ولا سيما في جبل نافوسة والغريان، حيث تعيش قبائل العرب والبربر جنباً الى جنب.