مثّل الظهور التلفزيوني أمس لعلي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني، وإعلان انضمامه إلى الثورة، استثناءً في تاريخ رجل لطالما عرف بزهده في الظهور الإعلامي، كأنما قطع عهداً على نفسه باتخاذ موقف سلبي من الصورة. لهذا لا تجد له حضوراً لافتاً على الشاشة يوازي أهميته الفعلية في بلد يمسك الرئيس علي عبد الله صالح بطرف ويُمسك هو بالطرف الثاني. لم يُسمع له صوت يخرج من إذاعة أو يُشاهد مُستضافاً في برنامج تلفزيوني، كأنما ترك كل هذا للرئيس ونجله أحمد علي، ليتفرغ هو لترتيب وضعه جيداً ترقباً لحدوث ما ينتظر وقوعه منذ وقت بعيد. ويعدّ علي محسن الأحمر صارماً إلى درجة قد تبدو غريبة على رجل قبلي يعتمد على لعبة الشدّ والإرخاء وسيلة لكسب تحالفات جديدة.نشأ في جوّ عقائدي سلفي جعله متشدداً في مواقفه وصارماً في قراراته. شارك في حروب المناطق الوسطى في منتصف السبعينيات، مدفوعاً بهاجس منع وصول المدّ الشيوعي من الجنوب إلى شمال اليمن.
تأهّل في الكلية الحربية بغية الحصول على رتبة عسكرية تمنحه رئاسة الفرقة الأولى المدرعة وقيادة المنطقة الشمالية الغربية (صعدة). شارك بفعالية في إنقاذ حكم الرئيس علي عبد الله صالح في بداية عهده، مجهضاً حركة انقلابية كانت على يد التنظيم الناصري السرّي وقتها، ما جعل الرئيس اليمني يحتفظ له بهذا الجميل.
ويعدّ علي محسن الأحمر دعامة من دعائم الحروب اليمنية الست في صعدة ضد جماعة حسين بدر الدين الحوثي، إذ يمتلك عدائية شديدة ضد أصحاب المذهب الشيعي، وهو ما برر الشراسة التي واجه بها في تلك الحروب، إلى درجة وقوفه ضد التوصل إلى حل سلمي في تلك المعارك، التي وُرّط فيها بغية إخلاء الطريق أمام أحمد علي، نجل الرئيس.
شارك بفعالية في حسم حرب صيف 1994 ضد القوات الجنوبية عن طريق توظيفه للجهاديين الذين عادوا إلى اليمن عام 1990، قبل أن تحتويهم السلطة في الشمال ويكون لعلي محسن نصيب كبير منهم.
دور جعله يبدو في موقع الحليف الأول للأصوليين في اليمن، ضاعفه مصاهرته للزعيم الديني الجنوبي طارق الفضلي، ورقته الرابحة في تحريك اللعبة جيداً في سياق الحراك الجنوبي وتوجيهها في الزوايا التي يريد التضييق عبرها على الرئيس صالح.
ويبدو علي محسن الأحمر اليوم من أبرز القادة المرتبطين بجنودهم بشكل لا يبدو ظاهراً في جبهات عسكرية أخرى في الجيش اليمني، وذلك بسبب ارتباطه المكاني بهم وحضوره المستمر بينهم، إضافةً إلى سمة لم تعد تتوافر في قادة كثر غيره، وهي حرصه على عدم الظهور بعلامات تشير إلى مظاهر بذخ ورفاهية من شأنها أن تجعل بينه وبين جنوده حاجزاً نفسياً. ولعل هذا يفسر الاستبسال الذي يبديه هؤلاء الجنود أثناء اشتراكهم في حروب صعدة العبثية.
رغم هذه الصفات، لم يكن علي محسن الأحمر بعيداً عن شبهات الفساد، وارتبط اسمه بملف نهب الأراضي والاستيلاء عليها في الشمال قبل الوحدة بين شطري اليمن. هواية استمر بممارستها بعد الوحدة ليحصل على مساحات شاسعة من الأراضي في المحافظات الجنوبية مع عدد آخر من قادة الجيش المنتمين إلى قبيلة سنحان، مسقط رأس الرئيس صالح.
كذلك ارتبط اسمه بقضية استيلاء على أراض أخرى مجاورة لمقرّ قيادة الفرقة الأولى في صنعاء، وتخصّ هيئة أعضاء التدريس في جامعة صنعاء المجاورة له. وهي مساحة شاسعة كانت مخصصة لبناء مساكن لأساتذة الجامعة، ولم يتمكنوا من استعادتها. وأسهمت هذه المشكلة في صنع حاجز بين علي محسن الأحمر وهذه الشريحة المهمة في المجتمع من جهة، وبينه وبين باقي منظمات المجتمع المدني من جهة أخرى.
كذلك ارتبط اسمه، بعد حرب صيف عام 1994، بعدد من الأسماء الشابة التي تحولت رموزاً بارزة في عالم التجارة والاستثمار، ولم يُعلم لها أصول تجارية واضحة قبل هذا التاريخ، ليتضّح لاحقاً إدارتها لشبكات تهريب مادة الديزل المدعوم حكومياً وإعادة تصديرها إلى دول الجوار، ما يعود بأرباح هائلة نتيجة لفارق بيع تلك المادة بين اليمن وتلك الدول.
اللافت في علي محسن الأحمر، الذي يعدّ محوراً للتيارات اليمنية المتشددة، ارتباطه بعلاقات وثيقة وتحالفات مع غالبية قوى اليسار في الساحة السياسية، في علاقة قد تبدو مثيرة لأكثر من علامة استفهام. لكن قد يبدو ذلك قابلاً للفهم عندما ندرك أمر استعداد تلك القوى اليسارية للتحالف مع أي قوة فاعلة يمكنها المساعدة في التخلص من حكم الرئيس علي عبد الله صالح.