اختبر المصريون تجربة جديدة. تهافتوا على مراكز الاقتراع للتصويت على التعديلات الدستورية. أظهرت النتائج تصويت 77 في المئة من الناخبين بـ«نعم»، الأمر الذي يعدّ في مصلحة الإخوان المسلمينهي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يشعر فيها المصريون أن أصواتهم ستؤخذ كما هي، من دون تزوير. تهافتوا على مراكز الاقتراع أول من أمس للتصويت بـ«نعم» أو «لا»، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية. النتائج ظهرت أمس. وأعلن رئيس اللجنة القضائية، محمد أحمد عطية، أن غالبية المصريين صوّتوا بـ«نعم» في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي ستسمح للجيش، الذي يدير شؤون البلاد حالياً، بالتحرك سريعاً لإجراء انتخابات. وقال إن «77.2 في المئة من أكثر من 18.5 مليون ناخب شاركوا في التصويت أيّدوا التعديلات. وبلغت نسبة الإقبال 41.2 في المئة من بين 45 مليون شخص يحق لهم المشاركة في التصويت».
وفي جوّ من البهجة، أدلى ملايين المصريين بأصواتهم في الاستفتاء الذي يأمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم أن يفتح الطريق لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ستة أشهر. وأغلقت معظم لجان الاقتراع أبوابها في الساعة السابعة من مساء أول من أمس، فيما قرر المشرفون على الاستفتاء تمديد مهلة الاقتراع بضع ساعات في محافظة قنا في جنوب البلاد، لتأخّر الاقتراع فيها، بسبب غياب الإشراف القضائي.
وقال مراقبون إن الإقبال على التصويت فاق المتوقع. لكنّ وكالة أنباء «الشرق الأوسط» ذكرت أن أربع منظمات حقوقية تقدمت بشكاوى إلى اللجنة القضائية المشرفة على تنظيم الاستفتاء، بسبب مخالفات وأخطاء شابت الاقتراع. وقالت الوكالة إن المنظمات رأت أن «المخالفات والأخطاء المشكو منها تؤثر على المعايير الدولية للنزاهة والشفافية في إدارة العملية الانتخابية».
بدا أن الاقتراع يسير سيراً حسناً، لكنّ ناخباً في محافظة المنيا، جنوبي القاهرة، قال إن المشرفين على الاقتراع في اللجنة حيث صوّت لم يطلبوا منه غمس إصبعه في الحبر الفوسفوري الذي يضمن عدم تكرار الإدلاء بالصوت. وبعد مرور ساعات على بدء الاقتراع، تجمهر ناخبون غاضبون أمام لجان في مدينة المحلة الكبرى في دلتا النيل وقرى قريبة منها، بسبب تكرار الأمر نفسه في لجان عدة في محافظة قنا، فيما قال شهود في لجان أخرى إن الاقتراع لم يكن سرياً.
من جهته، قال ريتشارد هويت، وهو عضو في البرلمان الأوروبي يراقب الاقتراع، «لا شك في أن هذا الاستفتاء هو تغيير هائل مقارنة بالانتخابات الماضية في مصر».
«الناس كانوا سعداء رغم الأخطاء»، هكذا قال أحمد الحامي، وهو يقف في طابور ضمّ نحو مئة ناخب، أمام لجنة اقتراع في القاهرة. وأضاف: «عمري 53 عاماً، ولم أنتخب من قبل لأن الانتخابات كانت مزوّرة»، مضيفاً «أنا الآن أصوّت للحرية».
ولدى مشاهدة رئيس مجلس الشعب السابق فتحي سرور، الذي كان مقرّباً من الرئيس المخلوع حسني مبارك، في لجنة انتخابية، تعرّض لهجوم لفظي من ثلاثة ناخبين. وقال له أحدهم: «أما زلتم أحياء؟ ارحلو عنا من فضلكم». كذلك ردّد ناخبون هتافات مناوئة لمحافظ القاهرة عبد العظيم وزير لدى إدلائه بصوته في لجنة أخرى، ونهره أحدهم قائلاً «اطلع بره».
وبدت جماعة الإخوان المسلمين الرابح الأكبر. وأثنى مرشدها العام محمد بديع، بعدما أدلى بصوته في إحدى اللجان، على الاستفتاء قائلاً: «إنه من الإسلام». ونقل موقع الجماعة على الإنترنت عن بديع قوله أيضاً: «شعب مصر في هذا اليوم يسطّر تاريخ مصر الحديث، ويسقط فترة الفساد ويستردّ حقه».
وإذ أيّد الإخوان التعديلات الدستورية، اصطفّ مسيحيّو محافظة المنيا في طوابير طويلة ليصوّتوا برفض التعديلات. وقال سعيد وليام: «سأصوّت بلا حتى لا يحكم مصر الإخوان المسلمون أو الحزب الوطني ويرجع الفساد».
من جهة أخرى، منع عشرات الناخبين المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي من الاقتراع في لجنة في القاهرة، حيث كان قد توجه إليها للإدلاء بصوته في الاستفتاء. ودفع الناخبون شقيق البرادعي الذي كان يقف في طابور الناخبين، ما أدى إلى دفع البرادعي الذي كان يقف تالياً له، ثم اضطر إلى ترك الطابور ومغادرة المكان.
وردّد عدد من المهاجمين هتافات معادية للبرادعي: «مش عايزينه... مش عايزينه... امشِ». وخلال توجّه البرادعي إلى سيارته، رشقه الناخبون الغاضبون بالحجارة، وأصاب حجر زجاج السيارة الخلفي وهشّمه. وكتب البرادعي على موقع «تويتر»: «ذهبت لأنتخب مع أسرتي، فهوجمت على أيدي بلطجية منظمين كانوا يجرون الاستفتاء في غيبة من النظام والقانون، وفي عمل غير مسؤول». وأضاف «كبار شخصيات نظام مبارك لا تزال مطلقة السراح وتقوّض الثورة».
وفي السياق، رحّبت الصحف المصرية بمشاركة الناخبين «القياسية» في هذا الاستفتاء، وعدّته «تاريخياً» مهما كانت نتيجته. وعنونت «الأهرام» أن «الشعب قال نعم للمشاركة ولا للتزوير»، منوّهة بإقبال غير مسبوق منذ ستين عاماً، فيما كتبت صحيفة «العالم اليوم» المستقلة: «المصريون انحازوا إلى الديموقراطية» في «إقبال غير مسبوق على المشاركة في 54 ألف لجنة»، في مختلف أنحاء البلاد.
وأعربت سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة مارغريت سكوبي عن «تفاؤلها الكبير» بـ«مستقبل ديموقراطي» في مصر، بعدما شاهدت «المصريين في أعداد غير مسبوقة يمارسون سلمياً حريات اكتسبوها أخيراً».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)