عاد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الى ساحة التهديد مجدداً، لكن بصوت دون صورة كما في الأيام الأخيرة. وفيما كان يحذّر الغرب في خطاباته دائماً من تنظيم القاعدة والمتشددين الإسلاميين، لجأ أخيراً بعد بدء عملية فرض الحظر الجوي فوق بلاده الى استخدام لغة هؤلاء «الإرهابيين»، معلناً أن «الحلف المسيحي الصليبي» يستعمل «وسائل إرهابية لكن الذي سينتصر هو صاحب الأرض». وقال القذافي، الذي وجد في العملية العسكرية أنها تستهدف «محو الإسلام»، «لن نفرط في ثورة الفاتح، ولن نترك النفط لأميركا وفرنسا وبريطانيا لأن هذا قوت أولادنا». وأكد أن «الإسلام سيزداد قوةً بعد اليوم»، قائلاً «نحن نقاتل في جبهة واسعة لن تستطيعوا إخضاعنا، نحن نفسنا طويل وأنتم نفسكم قصير».
ووفى القذافي بوعده لمؤيديه بتسليحهم وتحويل ليبيا الى «جمرة حمرا» كما في خطاب سابق، بقوله «كل الشعب مسلح الآن بالبنادق والقنابل»، وأصبحت ليبيا الآن «جمر وجحيم»، واصفاً التحالف الغربي بـ «الإرهابيين والمجرمين والوحوش».
وتوعد القذافي التحالف «بالانهزام والسقوط مثلما سقط هتلر ونابوليون وموسوليني تحت أقدام الجماهير»، كما توعد الثوار الذين نعتهم بالخونة، بالقتل. ورأى أن الغرب «لم يستفد من دروس الماضي»، قائلاً «لقد انهزمتم في الصومال والعراق وفيتنام وأفغاستان وهزمكم (أسامة) بن لادن، هذا الرجل الضعيف»، داعياً قوات التحالف الغربي إلى «الرجوع إلى الصواب لأنكم مهزومون لا محالة».
وفي السياق نفسه، تحدّث نجله سيف الإسلام معمر القذافي، في مقابلة بثتها شبكة «ايه بي سي» الأميركية، مشدداً على أن ليبيا لن تهاجم طائرات مدنية في المتوسط رداً على العملية العسكرية الغربية ضدها. وقال إن «هدفنا هو مساعدة شعبنا في ليبيا، وخصوصاً في بنغازي»، معقل الثوار الليبيين، متابعاً «صدقوني، إنهم يعيشون كابوساً».
في المقابل، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمام مجموعة صغيرة من الصحافيين في برازيليا، حيث بدأ أمس زيارة تستغرق خمسة أيام «قررت اليوم السماح للقوات الأميركية بالبدء بتحرك عسكري محدود في ليبيا»، مشدداً على «أننا لن نقوم بنشر، أكررها، لن نقوم بنشر الجنود الأميركيين في ليبيا». وتابع «أريد أن يعلم الأميركيون أن استخدام القوة لم يكن الخيار الذي كنا نفضله. وأنا بالتأكيد لم أتخذ هذا القرار بخفة».
ولم يغلق أوباما في خطابه العلني الباب أمام عمل عسكري رغم انتقاده الحروب «الغبية» كما سبق أن وصف حرب العراق، قائلاً «لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي عندما يقول طاغية لشعبه إنه لن يرحمه، وعندما تقوم قواته بتكثيف هجماتها على مدن مثل بنغازي ومصراته، حيث هناك أبرياء باتوا معرضين للقتل من جانب حكومتهم نفسها».
في هذه الأثناء، رأت وزيرة الخارجية الإسبانية، ترينيداد خيمينيث، أن التدخل العسكري الدولي في ليبيا، الذي تشارك فيه إسبانيا، لن يكون عملية «طويلة المدى». وقالت لصحافيين على هامش اجتماع للحزب الاشتراكي الإسباني في مدينة فالنسيا في شمال إسبانيا «إنها عمليات تجري وفق الضرورات والظروف، لكن طبعاً لا يتعلق الأمر في أيّ حال من الأحوال (بعملية) طويلة المدى».
وكانت وزارة الدفاع الإسبانية قد أعلنت أنّ مدريد ستشارك اعتباراً من الأحد (أمس) في العمليات العسكرية في ليبيا عبر أربع مقاتلات من طراز «أف 18» وطائرة إمداد وأخرى للاستطلاع البحري وفرقاطة وغواصة.
من جهة أخرى، كشفت صحيفة «ديلي مايل» البريطانية، أن الأمير أندرو، نجل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، كان قد سافر سراً عام 2008 للقاء الزعيم الليبي معمّر القذافي بصحبة أمين الصندوق السابق لحزب «التوري» الذي يعد أصل حزب المحافظين الحالي، ديفيد رولاند. وذكرت أنه من المعتقد أن يكون الأمير أندرو قد ناقش خلال لقائه القذافي مسألة إطلاق سراح الليبي المدان بتفجير طائرة لوكربي، عبد الباسط المقرحي.
وقد أُطلق سراح المقرحي عام 2009 في ظل تقارير عن أن بريطانيا فازت بصفقة نفط مربحة مقابل ذلك من القذافي. وأشارت الصحيفة إلى أن القذافي أعلن بعدها أن أندرو ضغط من أجل إطلاق المقرحي. وقال قصر بكنغهام إن الأمير زار مرة واحدة ليبيا عام 2007، لكنه لم يلتق خلالها القذافي «ولم يكن رولاند معه في زيارته». لكن الصحيفة قالت إنه بعد عدد من الردود المراوغة، اعترفت مصادر رفيعة المستوى بأن الأمير أندرو التقى القذافي في ليبيا عام 2008 سراً في مناسبتين أخريين. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الأمور الجديدة التي كشفت ستزيد الضغط على أندرو للتخلي عن منصبه كسفير تجاري لبلاده.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)