بعد «التمشيط والتطهير» واستعادة السيطرة، انتقل الجيش البحريني إلى تنفيذ الخطوة التالية من ضربته الأمنية باعتقال قيادات المعارضة، متهماً إياهم بالتخابر مع دولة أجنبية، مستثنياً من ذلك، حتى اللحظة، قيادات أكبر جمعية سياسية «الوفاق»، لكنه اعتقل حليفها ابراهيم شريف. ولمّا كانت الحملة الأمنية تستهدف الشيعة تحديداً، فقد خرج معظم المسؤولين السياسيين الشيعة من مناصبهم في المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والهيئات الاستشارية (26 مسؤولاً إضافة الى 18 نائباً)، بإعلان الاستقالة، باستثناء وزيري النفط عبد الحسين ميرزا، والعمل جميل محمد علي حميدان، وقاض واحد في المحكمة الجعفرية، لتسقط بذلك شرعية الدولة مع خروج ممثلي الأكثرية الساحقة من الشعب.
تطورات تجري وسط أسئلة مُحيّرة عن مصير ولي العهد، إذ تحدّثت عدّة مصادر عن وضعه قيد الإقامة الجبرية، أو على الأقلّ اعتراضه على الحملة الأمنية.
في هذه الأثناء، أعلن الأمين العام لـ«الوفاق» علي سلمان، في اتصال مع قناة «الجزيرة»، نقاطاً أساسية من أجل الخروج من الأزمة، تتمثل أولاً بانسحاب الجيش الخليجي (السعودي ـــــ الإماراتي)، موجّهاً بذلك دعوته الى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وثانياً، تحقيق الأمم المتحدة في كل الأحداث التي جرت منذ 14 شباط، مؤكّداً التمسك بالوسائل السلمية في الاحتجاج.
وفي بيان صادر عن القيادة العامة لقوّة دفاع البحرين، أُعلن أنه «بموجب الصلاحيات المخولة لها بتنفيذ أحكام المرسوم رقم 18 بشأن إعلان حالة السلامة الوطنية، ألقي القبض على عدد من القياديين من رؤوس الفتنة، الذين نادوا بإسقاط النظام وتخابروا مع دول أجنبية، كما قاموا بالتحريض خلال الأحداث الأخيرة على قتل المواطنين وتدمير الممتلكات العامة والخاصة». وتابع أن «القيادة العامة سوف تتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة بحق المذكورين وفقاً لمرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية والقوانين المعمول بها في المملكة».
وقال النائب عن جمعية «الوفاق» المعارضة المستقيل، خليل مرزوق، إن الاعتقال حصل خلال ساعات الفجر الأولى، الثانية فجراً، وشمل حسن مشيمع (الأمين العام لحركة «حق»)، عبد الوهاب حسين (الأمين العام لتيار «الوفاء»)، حسن الحداد، عبد الهادي المخوضر (حق)، وعبد الجليل السنكيس (حق)، إضافة الى ابراهيم شريف (الأمين العام لحركة العمل الوطني الديموقراطي «وعد» اليسارية)، وهو سنّي، ونادراً ما تعتقل السلطات رموز المعارضة السنّية كي لا تسلّط الضوء على وجود معارضة سنّية، كما يروي أحد رموز المعارضة.
وكان مشيمع قد عاد بعد إصدار عفو ملكي عن المعتقلين السياسيين الى المنامة، حيث أسقطت عنه التهم في قضية الشبكة التنظيمية، فيما كان كل من السنكيس والحداد والمخوضر معتقلين في القضية نفسها وأُفرج عنهم. وألّفت حركات «حق» مع «الوفاء» و«أحرار البحرين»، التي تنشط من لندن، «التحالف من أجل الجمهورية»، الذي دعا إلى إسقاط الملكية وإقامة جمهورية.
من جهة ثانية، لم يستبعد مرزوق في حديث لـ«الأخبار» أن تطال الاعتقالات «الوفاق»، ورأى أنه مع اعتقال شريف باتت الصورة غير واضحة. واستطرد «يمكن ألّا يُعتقل كوادر «الوفاق»، لكنهم معرّضون في أي وقت في الشارع بسبب التهديدات التي تلاحقهم، فهم معرّضون للضرب والاعتداء في كل لحظة»، من دون أن يستبعد الاغتيال.
وبشأن من يتولّى زمام الأمور في البلاد والشائعات التي تتحدّث عن وضع وليّ العهد الأمير سلمان قيد الإقامة الجبرية، بعد اختفائه عن السمع عقب دخول قوات درع «الجزيرة» وبدء الحملة الأمنية، قال مرزوق «لا أحد يعرف ماذا يجري. الأمور غامضة. الوضع اليوم تحت سيطرة قيادة الجيش، ولا نعرف إن كان الجيش البحريني أو غيره». لكنه تابع أنهم في النهاية «أسرة واحدة، ونحن نعتقد بأنه (ولي العهد) عقلية منفتحة سياسياً أكثر من غيره».
وعن الاتصالات الأميركية، وتحديداً مع مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، الذي وصل مساء دخول درع «الجزيرة» الى البلاد وباشر اتصالاته مع قيادات المعارضة، قال مرزوق إنها كانت فقط في إطار التواصل من أجل حثّ المجتمع الدولي على وقف القتل، وليس بصفته وسيطاً بين المعارضة والسلطة، مؤكّداً أن الاتصالات انقطعت مع الجميع بعد بداية الحملة الأمنية.
وتحدث مرزوق عن الأوضاع الأمنية المأساوية التي تشهدها البلاد، ورفض أن يسمّي ما يجري «اشتباكات» بين المتظاهرين والجيش، بل «اعتداءات» تشنّها جيوش برفقة البعض ممّن يرتدون لباساً مدنياً، في إشارة الى البلطجية، واصفاً ما يجري بأنه أفظع مما يجري في ساحات الحروب. وأشار الى وجود بعض الجثث في المستشفيات، وخصوصاً في مستشفى البحرين الصحي. وقال إن «الجيش لا يريد تسليم الجثث للأهالي كي لا يُشيّعوا».
واستغرب الحديث عن وجود أسلحة مع المتظاهرين كما تقول وسائل الإعلام الرسمية، وقال إنه بعد الهجوم على دوار اللؤلؤة رمى الجيش الأسلحة في الدوار، ثم أتى تلفزيون البحرين للتصوير وإظهار أن المعتصمين مسلحون.
وكانت مصادر إعلامية قد ذكرت أنّ مستشفى السلمانية لا يزال تحت الحصار الشديد، والطواقم الطبيّة ممنوعة من الخروج، وهناك من لم يتحرك خارج المستشفى منذ 3 أيام. إضافة الى تعرّض المواطنين الذين يقتربون من المستشفى للضرب. كذلك اعتُقل مسؤول غرفة العمليات في السلمانية الدكتور علي العكري.
وفي الشارع، لم تتوقف الاشتباكات، ولا سيما في مناطق جد حفص والديه وسترة والسنابس. وتحدثت مصارد حقوقية لـ«الأخبار» عن إطلاق الجيش الرصاص على المتظاهرين، ولم تستبعد أن تتوسع الاعتقالات لتشمل ناشطين حقوقيين، إضافة الى قيادات الجمعيات السياسية الأخرى، ومن ضمنها «الوفاق»، بما أن النظام لديه «جنون الاعتقال».
وقال مدير مركز البحرين لحقوق الإنسان، نبيل رجب، إن رجال الشرطة أطلقوا الرصاص من الأسلحة، والقنابل المسيّلة للدموع على مئات المتظاهرين الذين تجمعوا عفوياً، في منطقة الديه بغرض تفريقهم.
وفي سياق حظر التجوال، وبعدما كان من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى الرابعة فجراً، خُفض في أماكن محددة، بحسب ما أعلن بيان قوة الجيش رقم 5. وأعلنت القيادة العامة أنه «بالإشارة إلى الإعلان الرقم 4 المتعلق بفرض منع التجول، تكون ساعات منع التجول في المنطقة الواقعة بين المرفأ المالي وجسر الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الساعة الثامنة مساءً لغاية الساعة الرابعة صباحاً وحتى إشعار آخر».
ووسط أنباء وتساؤلات حول وضعية ولي العهد وإدارة البلاد من الجناح المتشدّد، جال الملك حمد بن عيسى آل خليفة «يرافقه المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد العام لقوة الدفاع، في منطقة المراكز المالية بضاحية السيف، وذلك للاطلاع على حركة السير والاطمئنان إلى استمرار عمل مؤسسات المراكز المالية والمصارف الى جانب مؤسسات الدولة ووزاراتها في تلك المنطقة»، بحسب ما نقلت وكالة أنباء البحرين.
خليجياً، ذكرت صحيفة «الجريدة» الكويتية أن الكويت لن ترسل قوات إلى البحرين، لكنها قد تحاول التوسط. ونقلت عن وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح قوله إنه سيتوجّه إلى «البحرين الليلة (الأربعاء) لتسليم رسالة من سمو أمير البلاد إلى أخيه جلالة الملك حمد بن عيسى».
وفي العراق، دعا رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي الى عدم التدخل في شؤون البحرين الداخلية. وصوّت المجلس على إضافة موضوع أزمة البحرين إلى جدول أعماله، وعلّق جلساته الى 26 الشهر الجاري احتجاجاً على أحداث البحرين.