تردّد الملك عبد الله بن عبد العزيز كثيراً حين طلب منه اللواء خالد بن سلطان الإذن لمهاجمة مواقع الجماعة الحوثية في تشرين الثاني 2009. وقالت أوساط سعودية إن مبعث عدم استحسان العاهل السعودي للفكرة هو أنه لم يكن راغباً في نصرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ولا وقف النزاع الأهلي في اليمن. ولكن الملك تحمّس للأمر حين جاء من يبلغه أن الحوثيين بصدد إقامة إمارة شيعية مدعومة ومسلحة من إيران على حدود المملكة.
وتروي الأوساط أن الملك اشترط على نائب وزير الدفاع أن يحقق النصر، وإلا فإنه سيعاقبه، ولذا وضع تحت تصرّفه إمكانيات عسكرية ومالية كبيرة. حذر الملك عبد الله تجاه الدخول في حرب مع الحوثيين لم يلهمه هذه المرة وهو يتخذ قرار إرسال قوات سعودية إلى البحرين، رغم أن المسألة تبدو أكثر حساسية منها في وضع صعدة، التي كانت مسرح عمليات عسكرية مفتوحة.

في ذلك الوقت، وجدت السعودية مبرراً هو أن الحوثيين تسللوا إلى داخل حدودها، وأنها اضطرت إلى دخول الحرب من أجل طردهم. أما اليوم فالأمر مختلف، حتى إن السعودية تبدو كمن خرج ليبحث عن ورطة خارج حدوده، وهو أمر لم يكن معهوداً في السابق عن المملكة التي نأت عن زجّ نفسها في حروب مباشرة، وكانت تدرس جيداً موازين القوى قبل أن تذهب إلى القتال.
واجه الملك عبد الله الامتحان نفسه حين جاء شقيقه وزير الداخلية، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، الأمير نايف، ليخبره بأن أبناء عمومتهم آل خليفة في البحرين يعيشون وضعاً صعباً، وأن الشهامة والنخوة تتطلبان نجدتهم، وأكثر من ذلك إنهم مهددون من إيران. هذه المرة لم يشترط الملك عبد الله النصر، فهم صوّروا له أن آل خليفة بحاجة إلى حراسات لحماية قصورهم وممتلكاتهم من مشاغبين تحرّضهم وتقف وراءهم إيران، وأن هؤلاء يمدون خيوطهم إلى المنطقة الشرقية في السعودية، بل أكثر من ذلك، إنهم يطالبون بملكية دستورية.
انتهت المواجهة مع الحوثيين إلى كارثة بالنسبة إلى الجيش السعودي، الذي خسر المعركة عسكرياً، ولم يربح على المستوى السياسي، لأن الجماعة الحوثية خرجت أكثر قوة عسكرياً وسياسياً، واستطاعت أن توسّع من الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها. وبالتالي لم تتمكن المملكة من أن تبعد عن حدودها خطر الإمارة الشيعية، وقبلت الأمر على مضض حين ضغطت الولايات المتحدة على الرئيس اليمني في نهاية 2009 لوقف الحرب، من أجل التفرغ لمواجهة تنظيم «القاعدة».
اليوم يبدو الموقف شبيهاً بالبارحة على نحو أكثر خطورة، حيث تجد القيادة السعودية نفسها أمام تحدّ أكبر من المواجهة مع الحوثيين، وهو زجّ المملكة في نزاع داخلي خارج حدودها يمكن أن تكون له انعكاسات محلية وإقليمية ودولية. والملاحظ أنه ما إن وضع أول عسكري سعودي قدميه على أرض البحرين، حتى انطلقت دعوات من المنطقة الشرقية في السعودية، ذات الغالبية الشيعية، تنادي بنصرة شيعة البحرين، وجاءت في صيغة مئات آلاف الرسائل «إس إم إس» تهيب بشيعة الخليج نصرة شيعة البحرين الذين يتعرضون لحرب إبادة على إيدي القوات السعودية.
وترى أوساط سعودية أن هذا التحرك هو بداية لشرارة قد تشعل السهل السعودي اليابس. والقيادة السعودية التي فاخرت يوم الجمعة الماضي بأن الدعوات للتظاهر لمناسبة يوم الغضب لم تقع، ستجد نفسها أمام حالة جديدة في الأيام المقبلة.
أما على المستوى الإقليمي، فإن المفارقة هي أن الإعلام السعودي الذي اعتادت القيادة السعودية استخدامه لإيصال رسائل رسمية غير رسمية، وضع إرسال القوات السعودية إلى البحرين على أنه رسالة موجهة إلى إيران، وهو ما يعني أن المملكة اختارت الخصومة مع إيران على طريقة المثل «يكاد المريب أن يقول خذوني»!.