صنعاء | ارتكب النظام اليمني، على مدى اليوميين الماضيين وتحت جنح الظلام، مجزرتين، واحدة في السجن المركزي بصنعاء، والثانية في «ساحة التغيير»، والحصيلة خمسة قتلى جدد يسجلون على فاتورة حساب رئيس لا يكفّ عن لغة التهديد والوعيد.ونجحت قوات مختلطة ما بين رجال يرتدون الزيّ العسكري الرسمي، ومدنيين مسلحين تكفّلوا بمهمة التحرش بالمحتجّين المعتصمين في ساحة التغيير، لإعطاء مبرر لإطلاق الرصاص الحيّ والغازات المسيّلة للدموع في توقيت واحد، في مهاجمة المحتجّين وإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا. وتأكد مقتل شاب وإصابة سبعين آخرين، بينهم ست حالات حرجة، في عملية ظهر أن الهدف الرئيسي من ورائها كان إحداث أكبر قدر ممكن من الذعر في نفوس المعتصمين، وفي الوقت ذاته إيصال رسالة قوية لمن يستعدّ للانضمام إلى الاعتصام، بهدف وقف تدفق شباب جدد إلى الساحة. وهو التدفق الذي بلغ في الأيام الأخيرة حداً غير مسبوق، وخصوصاً من جهة أفراد قبائل كبيرة، أصبحت تفد للانضمام الى شباب «ساحة التغيير» بصفة يومية وعلى نحو جماعي. هذا النزوح الداخلي للقبائل دفع السلطات إلى إنزال مجموعات من الجيش وتكثيف وجودها عند مداخل العاصمة صنعاء لمنع رفد القبائل لساحة التغيير. وقال شهود عيان إن أعداداً كبيرة من قبيلة خولان أوقفت عند المدخل الشرقي للعاصمة بعد مرورها من منطقة سنحان، مسقط رأس الرئيس صالح.
اللافت في الأمر، وربطاً مع تدفق القبائل غير المسبوق، أنه بعد مرور وقت قصير جداً على الهجوم المسلح على الشباب المعتصمين، نشر موقع الجيش اليمني «سبتمبر نت» بياناً لمصدر مسؤول اتهم فيه مجموعة مسلحة من المعتصمين أمام جامعة صنعاء بأنها حاولت نصب خيمة أمام مدرسة للأطفال، فمنعها رجال الأمن من ذلك نظراً الى أن المكان غير مخصص للاعتصامات، وأن نصب خيمة فيه من شأنه أن يلحق الأذى بالمواطنين والتلاميذ.
واتهم البيان «تلك المجموعة من المعتصمين بأنها أقدمت على مهاجمة رجال الأمن، مستعينةً بعناصر مسلحين من بلاطجة «اللقاء المشترك» متمترسين على أسطح بعض المنازل، وأخذوا يطلقون النار بغزارة، ما أدى إلى إصابة عدد من رجال الأمن والمواطنين».
وفي تناقض واضح للرواية الرسمية، صدر بيان آخر عن مصدر مسؤول، نشره موقع وكالة الأنباء الرسمية «سبأ»، يتهم «مجموعة من قبائل خولان من الموجودين في ساحة بوابة الجامعة وتتبع للمدعو خالد القيري، بأنها عمدت الى إطلاق النار عشوائياً بين المعتصمين، ما أدى إلى تدافع المعتصمين ونتج من ذلك إصابة ثلاثة منهم بجروح طفيفة وثلاثة من رجال الأمن بإصابات مختلفة، ولا يزالون في المستشفى لتلقي العلاج».
إلا أن الحصول على لائحة بأسماء الضحايا الذين سقطوا في الهجوم الأمني، وما نجم عنه من حصد لروح الشاب محمد علي مطلق، وهو شاب ينتمي الى قبيلة خولان ويتبع آل القيري، وهو الاسم الذي تداوله البيان الثاني، يشير بوضوح إلى أن ما حصل كان عملية استباقية لتبرير تعمد مهاجمة المحتجين، فضلاً عن وجود نية مبيّتة لكبح جماح هذا التدفق القبلي الذي لم يكن موضوعاً في حسبان السلطات، التي يبدو أن حوض الماء الذي تستمد منه طاقتها قد ثقب من جهات عدة، وتحديداً لجهة الدعم القبلي.
وفي السياق، أكد الشيخ خالد القيري لموقع «مأرب برس» الإخباري أن عدداً من أبناء قبائل خولان حاولوا إدخال خيم إلى ساحة الاعتصام بجامعة صنعاء، فجرى منعهم ومن ثم إطلاق الرصاص الحيّ عليهم والقنابل المسيّلة للدموع وغازات خانقة ليقتلوا.
وأنكر القيري وجود أي أسلحة معه أو مع أحد من أبناء خولان، موضحاً أنه جرى تفتيشهم على مدخل صنعاء، ووضع سلاحهم في نقطة التفتيش على مشارف العاصمة، مبدياً استنكاره لاتهام مصدر أمني لأفراد من القبيلة بإطلاق النار.
وبحسب معلومات مؤكدة، فإن الهجوم على شباب «ساحة التغيير» كان مخططاً أن يتبعه هجوم ثان، وبعد زمن قصير من حدوث الأول، وذلك بغرض تشتيت الموجودين في الساحة التي صارت تؤرق بال الرئيس صالح، وصار أمر إفراغها من الشباب مسألة ملحّة.
وأوضح شاهد عيان لـ«الأخبار» أنه رأى جنوداً تابعين للأمن المركزي في مكان قريب من الساحة، يستبدلون زيّهم العسكري بآخر مدني وإلى جوارهم أسلحة وهراوات وعصيّ كهربائية، غير أن أسباباً غامضة حالت دون تنفيذ هذا الهجوم.



«المشترك» والحوثيّون يدينون

أصدرت أحزاب «اللقاء المشترك» في أعقاب الهجوم على شباب ساحة التغيير بياناً على لسان الناطق الرسمي الجديد لها، الإصلاحي محمد قحطان، استنكرت فيه جريمة الاعتداء واستخدام الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، التي قالت مصادر طبية من داخل المستشفى الميداني بـ«ساحة التغيير»، إنها من النوع المسبّب لحالات اختناق شديدة وحالة تشنجات عصبية، ويخشى أن تكون من النوع المحرّم دولياً. وحمّل قحطان السلطة ممثلةً بالرئيس علي عبد الله صالح شخصياً المسؤولية الكاملة عن الجريمة التي ارتكبتها قوات من الأمن المركزي والحرس الجمهوري ضد الشباب المعتصمين، مؤكداً أن «جرائم لا تسقط بالتقادم».
بدورهم، وصف الحوثيون أمس الاعتداء على المعتصمين بـ«الهمجي»، معتبرين أن النظام يكشف «بتلك التصرفات الخطيرة عن وجهه القبيح شيئاً فشيئاً، وهو يخلع الأقنعة التي ظلّ يتستّر بها، فبرز بدمويّته ووحشيّته وأنه لا يحتكم للقانون ولا للدستور».