القاهرة ــ الأخبار بات للقرارات الهامة في مصر مواعيد ما بعد الثورة. لا يمرّ يوم خميس إلا تُصدر قرارات مهمة وخطيرة، تسبق مليونية كلّ يوم جمعة. قرار هذا الأسبوع لم يكن مهماً فقط، بل خطيراً؛ لأنه أزاح حكومة الفريق أحمد شفيق، التي عرف المصريون معها، للمرة الأولى، «مهمة تسيير الأعمال»، التي مثّلت فلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. فشفيق كان أحد أعضاء «شلة» الرئيس المخلوع الذي أصدر قراراً بتعيينه رئيساً للحكومة في محاولاته الأولى لامتصاص غضب شباب 25 يناير. شفيق استقال صباح أمس، وكُلّف بدلاً منه عصام شرف، وهو وزير سابق يُعرف بنزاهته، بل أكثر من ذلك؛ فهو أحد أولئك القلائل الذين عملوا في نظام مبارك خلال الثلاثين عاماً الماضية، وخرجوا بسمعة طيبة من دون أن يتورط في أندية الفساد المفتوحة.
شرف شارك أيضاً في «الثورة»، وهتف مع الشعب مطالباً بسقوط النظام وبطلان برلمانه و سياساته. أمر يشير إلى توافق بين الشعب والجيش بعد فترة شهدت توتراً في العلاقة بينهما بسبب تأجيل التخلص من الحكومة، وبطء الحركة في إزالة النظام السابق. توتر تجلى من خلال صدام عنيف الأسبوع الماضي، اعتدى خلاله عناصر من الجيش على المتظاهرين، ما استدعى إصدار المجلس العسكري بيان اعتذار، معتمداً على فكرة أن «رصيد المجلس يسمح».
شرف كان على رأس قائمة من ثلاثة رؤساء حكومة تكنوقراط، كل واحد منهم يتمتع بخبرة في الإدارة ونزاهة في السلوك. القائمة رشحها «ائتلاف الثورة»، ودعمها محمد البرادعي، وتضم إضافة إلى شرف كلاً من وزير الزراعة الأسبق أحمد جويلي ورئيس الحكومة الأسبق كمال الجنزوري.
هكذا أعلن ائتلاف شباب الثورة تعليق الاعتصام الذي كان ينوي المباشرة به اليوم، وتعليق التظاهرات التصعيدية، والاكتفاء بتظاهرة كبيرة اليوم احتفالاً بالانتصار الجديد لقوى الثورة ومطالبها.
ورأى الائتلاف أن حكومة شرف تعدّ أول استجابة للضغط الشعبي، وقد تمنى الشباب أن تخلو من جميع رموز العهد البائد، ما يعني على وجه الخصوص إزاحة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، ووزير العدل ممدوح مرعي، إضافة إلى وزير الداخلية محمود وجدي، وغيرهم، من الذين اختيروا وفق قيم نظام الرئيس المخلوع وتقاليده (الولاء للرئيس والانتماء إلى الحزب أو إلى الشلة). اختيارات أدت إلى ما يشبه الكارثة.
تغيير شفيق يأتي على رأس مطالب تضم أيضاً «حل جهاز أمن الدولة، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية برئاسة وزير مدني، والمحاكمة العاجلة والعلنية لكل من أصدر أو نفذ أمراً باستخدام العنف وإطلاق النار على الثوار بدءاً من 25 يناير، واستكمال ملاحقة الفاسدين الذين نهبوا ثروات الشعب المصري ومحاكمتهم». تُضاف إلى ذلك الدعوة لانتخابات مبكرة للمجالس المحلية، وبحث المطالب الاقتصادية والاجتماعية لقطاعات الشعب وفق حد أدنى للأجور وحد أقصى بنسبة (1: 15).
ورغم أن الخبر أعلن أن شفيق تقدم باستقالته، إلا أن الحقيقة هي أنه أقيل، وتحديداً بعد حلقة تلفزيونية بدا فيها رئيس الحكومة المقال «ضعيف الشخصية» في مواجهة سيل الاتهامات والملفات الشائكة.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كتب على صفحته على موقع «فايسبوك» أنه قبل استقالة شفيق وكلف شرف تأليف الحكومة الجديدة. وقال في رسالة حملت الرقم 26: «قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبول استقالة رئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق، وتكليف الدكتور عصام شرف تأليف الوزارة الجديدة». الروح الجديدة بدت أنها تنتصر بإزاحة شفيق، الذي يتوقع الخبراء أن يكون اسمه ضمن قوائم المنع من السفر والتحفظ على الأموال. كذلك سيكون آخر رمز كبير من تركة مبارك في الحكومة. فالرموز الأخرى مثل صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور تطاردهم لعنات المحاكمة وطلباتها، وتُنشر يومياً أخبار عن بلاغات مقدمة ضدهم أو ملفات سرية تجهز لفتحها لحظة إعلان وقوعهم في مصيدة الثورة.
وتحتل قضية الأمن المرتبة الأولى من وجهة النظر الشعبية والسياسية، وخصوصاً بعد اتساع مجال الانفلات الذي أحدثه غياب قوات الأمن عن الشوارع حتى اليوم. ويبدو أن هناك محاولة للضغط من قيادات الشرطة للمساومة على «الأمن مقابل الصلح من دون شروط»، وهو ما ترفضه قوى الثورة التي تشترط لإعادة الأمن إجراء محاكمات وتطهير الأجهزة وإعادة بناء عقيدة الشرطة، الأمر الذي ورد في بيان الحركة المصرية للعدالة الانتقالية، وأعلنت فيه رفضها تعيين رئيس جديد لجهاز أمن الدولة من أبناء التربية السوداء التي خربت مصر. الحركة طالبت بتحويل الجهاز إلى وحدة متابعة للتنظيمات السياسية المسلحة فقط.
وكانت لجنة حكومية لتقصي الحقائق في أحداث قمع متظاهري ثورة 25 يناير قد قالت إن الشهادات، التي جمعتها عن وقائع الاعتداء على المتظاهرين، أكدت أن الشرطة قنصت المتظاهرين من سطوح المباني المحيطة في «ميدان التحرير»، وسط القاهرة.
في هذا الوقت، بدأت مؤسسات صحافية تابعة للحكومة بـ«ثورات داخلية» على مسؤوليها، ما أدى إلى طرد رئيس مجلس إدارة مؤسسة «روز اليوسف» كرم جبر، وتكوين مجالس انتقالية لإدارة المؤسسة. كذلك يتوقع أن تُقبل استقالات بقية المسؤولين عن هذه المؤسسات، التي كانت تُعَدّ قلاع الجيش الصحافي للرئيس المخلوع.