يستنفد النظام في مصر كل الوسائل لإحباط الثورة ؛ لا يريد شهوداً على ما يُعدّ له من مجازر، لذلك وجد رجال أمنه الحلّ في الخطف والتعذيب، والضحية الأكبر كانت الصحافيينتتخفّى القوّات الأمنية المصرية بلباس مدني. تطارد الناشطين والصحافيين داخل الميدان وبين الأزقة. تهدّدهم وتتوعدهم أن يصمّوا آذانهم ويكمّوا أفواههم. ومن لم يرتدع يُطارد ويُختطف ويُنكّل به. منهم من عُثر عليه مرمياً وآثار الضرب على جسده، وبعضهم من اقتيد إلى جهة غير معلومة، وآخرون اختفوا بطريقة غامضة ولم يعودوا بعد.
أول هؤلاء هو الشاب وائل غنيم، الذي سُمي أحد أبطال الانتفاضة. أُطلقت عشرات الحملات على موقع «فايسبوك» من أجله «فين أستاذنا وائل غنيم؟» و «كلنا وائل غنيم». اختفى وائل ليلة جمعة الغضب بعدما شارك في انتفاضة 25 كانون الثاني. ومنذ ذلك الوقت لا يعرف أحد من أفراد أسرته وأصدقائه شيئاً عنه. عُرض تسجيل على «يو تيوب» لرجال أمن مصريين بلباس مدني يخترقون، بخفة، جموع المتظاهرين قبل يوم من جمعة الغضب، ويصلون الى وائل فيسرقونه من بينهم ويقتادونه بالقوة، بينما هو يُبدي مقاومة، ويضربونه على رأسه، قبل أن يختفوا بين الحشود. قيل إن السبب كان دعوته على صفحة «كلنا خالد سعيد» على «فايسبوك» الى الخروج في تظاهرات يوم الغضب. ومع غياب وائل وانقطاع أخباره، رجح البعض أن يكون قد قُتل. وأصدرت شركة «غوغل» التي يعمل لديها وائل مدير تسويق في منطقة الشرق الأوسط، بياناً طلبت فيه من المواطنين البحث عن وائل.
وائل كان أول الضحايا، وكرّت بعدها السبحة. لم تبق منظمة حقوقية أو وسيلة إعلامية عربية وأجنبية، إلّا أعلنت اختفاء أو اعتقال أو الاعتداء على أحد العاملين أو الناشطين أو الصحافيين. فقد أعربت كل من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية عن قلقهما الشديد على حياة وسلامة أحمد سيف الإسلام حمد، مدير مركز هشام مبارك للقانون، وخالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وكانت «الأخبار» قد تلقّت بيانات من «هيومن رايتس ووتش» والشبكة الأوروبية لحقوق الإنسان تؤكد اعتقال نحو 29 عاملاً في المركزين أعلاه، واقتيادهم الى جهة مجهولة، من دون أن يعرف سبب الاختطاف أو المكان الذي اقتيدوا اليه.
وكان لصحافيي وسائل الإعلام الأجنبية العربية النصيب الأكبر من عمليات الاعتداء والاختطاف. مراسل صحيفة «لا ليبرتي» السويسرية اختفى منذ يوم الأربعاء، وأعلنت الصحيفة بعدها أنها أخطرت عائلته والسفارة في مصر باعتقاله. وتعرّض مراسل التلفزيون السويسري الناطق بالإيطالية للاعتداء على أيدي بلطجية مبارك. واعتقل مراسلو قناتي «الجزيرة» العربية والإنكليزية مرات عديدة، قبل أن يطلق سراحهم. كذلك اختطف احد صحافيي قناة «العربية»، أحمد عبد الهادي، في مكان قريب من ميدان التحرير، بعدما أجبر على ركوب سيارة الى جهة مجهولة. واختفى أيضاً مراسل ثان لها هو أحمد عبد الله لمدة ثلاث ساعات ليعثر عليه بعد ذلك وقد تعرض لضرب مبرح على أيدي خاطفيه.
صحف «واشنطن بوست»، «لوسوار» التي تصدر فى بروكسل، و«لي تمبو» التي تصدر في جنيف، و«لا فو دي نورد» التي تصدر في فرنسا، و«كاثيميريني» اليونانية.. وغيرها تعرّض موظفوها للاعتداء والاعتقال. وضُرب مراسل «سي أن أن» أندرسون كوبر وفريقه، وتعرّض اثنان من صحافيي «أسوشييتد برس» للضرب المبرح على أيدي مجموعة من رجال مبارك. واختفى المراسل بيرت ساندرستروم ويُخشى أن يكون قد اختطف. مراسلو قنوات التلفزيونية الثانية في الدنمارك و «بي بي سي»، «وإي بي سي» وهيئة التلفزيون الأيسلندية.. واللائحة تطول، كلهم ضحايا الاعتداءات.
ونشرت «الحملة الدولية من أجل شارة لحماية الصحافيين» بياناً أحصت فيه مختلف الحوادث والاعتداءات التي تعرض لها الصحافيون، وبينهم إعلاميون من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وبلجيكا واليونان وتركيا والصين واليابان. وقد فسر الناشطون في حقوق الإنسان ما يجري بأن «نظام حسني مبارك لا يريد شهوداً على أفعاله».
(الأخبار)