بدا من خلال طريقة إدارة نظام حسني مبارك الأزمة الأخيرة، أنه لم يفقد شرعيته فقط، بل خياله أيضاً، بما أن ألعابه القديمة لم تعد تثير سوى الأسى والشفقة. اعتمد على جهازي الإعلام والمؤسسة الدينية الرسمية، فاكتفى الإعلام بتثبيت صورة قديمة رومنسية عن القاهرة، كأن شيئاً لا يحدث في الخارج، أو نقل أكاذيب متعمّدة لإثارة الرعب بين المتظاهرين. المؤسسة الدينية التقليدية لن تنطلي ألاعيبها على المتظاهرين؛ منذ الثانية صباح أمس، استجاب عدد من أئمة المساجد لتعليمات «أجهزة غامضة» في الدولة، ووجّهوا نداءات إلى شباب مصر بعدم الخروج للتظاهر، مستندين إلى «حرمة الخروج على الحاكم»، والتهديد بالويل والثبور لمَن يخرج على وليّ الأمر. لكن لم يلتزم أحد بما قاله الشيوخ. الإمام إسماعيل الدفتار ثار عليه المصلّون يوم الجمعة الماضي عندما دعا في خطبته للرئيس. أما رئاسة لجنة الإفتاء في الأزهر، فقد حرّمت الخروج للتظاهر، وكانت المفاجأة أن عدداً كبيراً من الشيوخ أنفسهم خرجوا رافعين شعار سقوط النظام، وهو الأمر الذي دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى نفي انتماء هؤلاء إلى مؤسسة الأزهر، رغم أنهم يرتدون زيّهم الرسمي. هذه التصريحات أتت بمئات من هؤلاء الشيوخ إلى تظاهرة يوم أمس. أحدهم برّر لـ«الأخبار» مشاركته في اليوم المليوني بالقول إنها تظاهرة شعبية تشارك فيها كل فئات الشعب. ورداً على سؤال عن تصريحات شيخ الأزهر بأنهم لا ينتمون إلى مؤسسته، لم يكن منه إلا السخرية من هذه التصريحات.
على الجانب الآخر، دعا البابا شنودة أقباط مصر إلى عدم الخروج للتظاهر أيضاً، ولكن الغالبية سخرت من دعوته أيضاً. أحد رجال الكنيسة قال «لن تحترق كنيسة واحدة أثناء التظاهرات، والمحاولة الوحيدة حصلت أول من أمس عندما أمسكنا بأحدهم واكتشفنا أنه عنصر من رجال الأمن».
رجال المؤسسة الدينية الرسمية، الأزهر والكنيسة، وضعهم المتظاهرون ضمن القائمة السوداء التي استهانت بدماء شهداء التظاهرات التي بدأت منذ 25 كانون الثاني الماضي.
ومعروف أن مؤسّستي «الأزهر» كما كنيسة البابا شنودة تولّتا، منذ عقود، إسباغ الشرعية على كل القرارات المفصلية التي اتخذها مبارك وفريق عمله، من إبرام السلام مع إسرائيل والتحالف غير المشروط مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى القرارات الاقتصادية النيوليبرالية المسؤولة عن إفقار الشعب المصري.
وبالنسبة إلى الرفض الأبدي الذي أبدته مؤسسة الأزهر تجاه المناشدات التي حثّتها على تحريم التطبيع مع الدولة العبرية، يذكر العالم النقمة على شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي على خلفية كثرة لقاءاته بمسؤولين إسرائيليين.
وأثار جلوس طنطاوي إلى جوار الرئيس شمعون بيريز في مؤتمر لحوار الأديان في كازاخستان، عام 2009، موجة من الانتقادات، وخاصة أنه سبق لطنطاوي أن صافح بيريز في نيويورك، ما حدا بنواب مصريين إلى المطالبة بعزله ومحاكمته. وفي حينها، قال المستشار السياسي للمرشد العام للإخوان المسلمين عبد الحميد الغزالي إن طنطاوي «يحاول اختطاف المرجعية الإسلامية الكبرى (الأزهر) إلى أحضان القيادة السياسية وتحويلها أداة في تنفيذ أهدافها داخل مصر وخارجها».
وعلّق الممثل والناشط السياسي عبد العزيز مخيون على موقف شيخ الأزهر بأنه «طبيعي، ويأتي في سياق معرفته للهدف الذي عُيِّن من أجله في هذا المنصب، وهو إضفاء الشرعية على أيّ تصرف سياسي تريده الحكومة المصرية».
أما حال بابا الأقباط شنودة، فأرشيفه مليء أيضاً بمواقف دفاعية عن النظام، آخرها كان ما سبق أن أيّد فيه شنودة، قبل يومين، بقاء مبارك في الحكم، من دون أن يمنع ذلك عدداً كبيراً من أقباط مصر ورجال دينهم حتى من الخروج على «أوامره»، على قاعدة أنها لا تعبّر عنهم ولا عن الشعب المصري عموماً.