القاهرة - «الأخبار» اتصل الرجل القريب من السلطة بكل هواتف الكبار في نظام حسني مبارك فوجدها مغلقة. حكايته عفوية، يؤدي أدواراً محفوظة لدى الأنظمة من عبد الناصر إلى مبارك مروراً بالسادات.
الحكاية لم تكن مقصودة للكشف، لكنه أراد أن يقول إن آذان هؤلاء مغلقة، أنظارهم لا ترى إلا ما سيقود إلى الكارثة. ومن هنا كشف بعضاً مما يدور في كواليس نظام مبارك وما قد يراه المتابعون خيال الباحثين عن تفاؤل.

اليوم هي «الجمعة الأخيرة» كما يشعر بها خبراء نهايات الأنظمة. جمعة الغضب، كما دعا إليها قادة غير تقليديين لحركة فاجأت الجميع منذ ثلاثة أيام، بمن فيهم المنظمون، والسلطة التي ترصد كل شاردة وواردة في مصر.
الغضب عمومي، يستقطب هذه المرة شرائح لم تتعود الخروج الى الشارع. لكن كسر الهيبة الذي حصل في اليومين الأخيرين، شجع قطاعات جديدة على الخروج، والذوبان في الجسم الكبير الذي يتحرك بقوة غريبة إلى ما يشبه ثورة حقيقية.
النظام الذي خلق الفزع أول من أمس في شوارع القاهرة، لم يكن أمامه أمس إلا الحصار الإلكتروني، حيث حجب مواقع الفايسبوك والتويتر فترات أطول وأوسع، إلى جانب تعطيل خدمة الرسائل القصيرة. ووصلت تسريبات بأن خدمة الهواتف المحمولة قد تتوقف منذ الصباح الباكر.
الحصار الرقمي تزامن مع حذر في شوارع القاهرة ونشر المدرعات الأمنية في عدة ميادين على رأسها التحرير، إضافة إلى الطرق المؤدية إلى مبنى وزارة الداخلية.
المركز أمس كان خارج القاهرة، وبالتحديد في مدينة السويس، حيث استمر الحصار على كل مداخل المدينة. واجهات محترقة، سيارات مشتعلة، أرض مغطّاة بالحجارة.. كان هذا هو المشهد في ميدان الأربعين بوسط مدينة السويس الذي تحوّل إلى ساحة مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين. وفي مقابل إطلاق الشرطة قنابل مسيّلة للدموع والرصاص المطاطي، أشعل المتظاهرون النار في مركز للإطفاء. مواجهة بدت فيها قوة المتظاهرين قريبة من التفوق على قوات الأمن، واضطرت معها الشرطة إلى
الاستعانة بالنائب السابق للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، قدري رسلان، للقيام بدور الوسيط لكن من دون فائدة، فيما تحدث شهود عيان عن رؤيتهم لقوات من أجهزة أخرى غير الشرطة التقليدية أو الأمن المركزي تسيطر على المدينة.
أما في مدينة الإسماعيلية، فقد تفجرت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين الذين يشتركون لأول مرة، وتحت شعارات كانت مرفوعة في القاهرة منذ اليوم الأول. في مدينة الشيخ زويد، أطلق المتظاهرون قذائف «أر بي جي» على قسم الشرطة بعدما قتل متظاهر أول من أمس.
هذه المواجهات الدامية قابلها خطاب للحزب الحاكم حاول أن يكون ناعماً لامتصاص آثار العنف الأمني في اليومين الماضيين. وبعد اجتماع في الحزب الوطني، بدت نبرة الأمين العام للحزب الحاكم، صفوت الشريف، قريبة إلى نظرية «فهمتكم»، وهو يقرأ البيان الختامي للاجتماع، مؤكداً أن المجتمعين «عرضوا القضايا التى أثيرت في التظاهرات»، وأن الحزب «يؤكد انحيازه الدائم والمستمر لمطالب الجماهير وتبنّيه السياسات التي تخفف من معاناتهم في عدد من القضايا المرتبطة بالحياة اليومية». كذلك استجاب النائب العام لطلب قدّم له بالتحقيق في تجاوزات الأمن، وانتشرت نغمة «نحن نعرف شباب مصر وسنقوم بالتغيير».
النعومة السياسية أخفت معها خطاب الشرطة العنيف، وهو ما أشعر المتظاهرين بقوة اضافية على الشحن الكبير باتجاه جمعة الغضب.
وقد تتوافق القوة النفسية مع تسريبات عن اجتماع أمني عقد أمس في شرم الشيخ بحضور قيادات رفيعة في نظام مبارك. ‎في هذا الاجتماع، تقدم بعض كبار رجال الأمن بنصائح إلى مبارك، الغائب عن اجتماع حزبه، تدور حول ‎إعلان عدم ترشحه للرئاسة المقبلة، ‎وإعلان استقالته من رئاسة الحزب الحاكم، و‎أن جمال مبارك غير مرشح للرئاسة، وأخيراً ‎حل لجنة الأحزاب.
‎لم يتوصل المجتمعون إلى قرار، لكنهم خرجوا باتفاق على انتظار ما سيحدث «يوم الجمعة». ‎الخوف الكبير من هذا اليوم هو من انضمام جماعة الإخوان بعد التركيز على الخروج من المساجد بعد صلاة الجمعة. وهو ما تزامن مع ظهور متحدث الجماعة عصام العريان، مهدداً النظام باستمرار التظاهر إذا لم يستجب للمطالب. ‎
وفي مواجهة رغبة الجماعة، سرت بين الأوساط الشبابية حركة تطالب بمنع الشعارات الدينية والحزبية في «جمعة الغضب»، ومنع هواة ركوب الموجات، وهو تعبير يقصد به العديد من الشخصيات السياسية في مصر، قد يكون من بينهم محمد البرادعي الذي عاد أمس إلى مصر، ربما ليقود ثورة حركها من لا يعرفهم، بعدما حصر دوره في «إدارة التغيير سياسياً»، مبدياً استعداده لتولي السلطة خلال فترة انتقالية اذا طلب منه المتظاهرون ذلك، لأن «مبارك خدم البلاد لثلاثين عاماً وحان الوقت لتقاعده».