طرابلس | لم تكد تستقر الأوضاع في الكفرة حتى اشتعلت من جديد في سبها جنوب غرب ليبيا، بعدما قتلت مجموعة من قبيلة التبو موظفاً في شركة الكهرباء، وسرقت سيارته، وهو الحادث الذي أشعل نار المواجهات العنيفة بين مسلحي قبائل سبها العربية ومسلحي قبيلة التبو. قتال دام ستة أيام مخلّفاً 147 قتيلاً و 395 جريحاً. هذه التطورات تستدعي الخوض في الواقع الليبي لمعرفة طبيعة هذه القبائل وأصلها. من هم التبو؟

تقطن قبائل التبو في شمال وغرب تشاد وحول جبال تيبستي، وفي أقصى جنوب ليبيا والسودان والنيجر. عاش أبناء هذه القبائل مهمّشين ومضطهدين في ظل النظام السابق. وشاركوا في تحرير الجنوب الليبي وتأمين حدوده.
التبو هم سكان ليبيا الأصليون، تحدث عنهم أبو التاريخ: هيرودوت، قائلاً إنهم قوم يشبهون الطوارق ويتجاورون مع الجرمنت وقبائل التروجليدات في الجنوب الليبي، وهذه الأخيرة قبائل عرفت الحضارة باكراً، وكان أبناؤها يستخدمون العربات التي تجرّها خيول قصيرة لا يزال الأوروبيون يطلقون عليها اسم: الخيول البربرية.
ويوصف التبو بأنهم ذوو بشرة ليست سوداء تماماً، إلا أنها شديدة السمرة، وقوامهم متوسط الطول ونحيل البنية وسواعدهم مفتولة ومشيتهم سريعة رشيقة. عيونهم بها شرارة ذكاء وفطنة طبيعية، شفاههم غليظة وأنوفهم فطساء وليست بكبيرة، شعورهم طويلة جداً ولكنها أقل تجعداً من شعر الأفارقة الآخرين.
ولتراكم صراعات تاريخية بين التبو ومحيطهم، فهم يتطبعون بلحمتهم القوية في ما بينهم، مقابل العزلة وصعوبة الاندماج مع الغريب، ولهذا يصفهم من لا يعرفهم بالدهاء وبعدم الأمان، مع أن حقيقة الأمر ليست من هذا في شيء، فالتبو أناس بسطاء بدو طيبون كرماء الطبع وشديدو المراس، قد يتغاضون عن الظلم حيناً، ولكنهم حين انتفاضهم كعواصف الصحراء التي تجتث الأخضر واليابس.
يتحدث التبو لهجة ليبية انعزلت عن اللغة الأصلية، أي الأمازيغية منذ زمن، ولم يحدث لها أي تطور نحوي يذكر، ويتكلمونها بسرعة شديدة جداً، حتى ان علماء الألسانيات يؤكدون أن لهجة أهل التبو لا تزال تعتمد قواعد اللغة الأمازيغية.
هل يمكن أن ينفصل التبو؟
تخوض قبائل التبو منذ شباط الماضي مواجهات عنيفة مع قبائل محلية في جنوب ليبيا، وخصوصاً الكفرة وسبها. وتتهمها القبائل الأخرى بضم مقاتلين أجانب في صفوفها، ولا سيما من تشاد.
وفي آذار الماضي دعا زعيم قبيلة التبو الليبية عيسى عبد المجيد، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الى التدخل لوقف «تطهير عرقي يتعرض له التبو».
وقال المعارض السابق لنظام العقيد معمر القذافي: «نعلن إعادة تنشيط جبهة التبو لإنقاذ ليبيا (حركة معارضة في ظل النظام السابق) لحماية التبو من عملية تطهير عرقي. واذا دعت الحاجة فسنطالب بتدخل دولي ونسعى الى انشاء دولة على غرار جنوب السودان».
ومنصور الذي كان قد أعلن حل حركته المعارضة بعد سقوط النظام في ليبيا في آب الماضي. اضاف أنه «تبين ان المجلس الوطني الانتقالي الليبي (الحاكم) ونظام القذافي لا يختلفان. للمجلس الوطني الانتقالي خطة للقضاء علينا».
وذهب ابعد من ذلك ليصل الى ما يشبه الدعوة لحكم ذاتي قائلاً: «قلنا ان وحدة ليبيا فوق كل اعتبار. لكن الآن علينا أن نحمي انفسنا والأقليات الأخرى. اليوم تحولت المشكلة من نزاع قبلي الى نزاع عرقي»، مؤكداً أن «الهجمات تستهدف اي شخص بشرته سوداء».
وكان التبو قد رفضوا مراراً الطموحات الانفصالية، واستنكر النائب الأول للتجمع الوطني التباوي محمد ولد سيده ابراهيم، «الهجمة الإقصائية القاسية التي يتعرض لها التبو»، متهماً البعض (من دون أن يسميهم) في إحداث وقيعة والاقتتال بين القبائل الليبية في الجنوب بإشاعة وإطلاق الأكاذيب لخدمة مصالح وأغراض شخصية و قبلية، داعياً الليبيين إلى أخذ الحذر والانحياز إلى الوطن لا إلى القبيلة.
ولد سيده تحدث لـ«الأخبار» قائلاً إن «التبو ليسوا دعاة الاستقواء بالخارج بأي شكل كان». ونفى وجود أي نيات لقبيلته بالانفصال أو تكوين دولة مستقلة، مشدداً على ان «لا حقيقة لوجود أجندة خارجية لإنسان تائه في الصحراء حكمت عليه الجغرافيا بالعزلة، ولم ولن ندعو إلى الانفصال لأنه غير ممكن عددياً ولا مادياً». وطالب ولد سيده «الحكومة بإعطائنا حقوقنا كمكوّن أصيل من مكونات المجتمع الليبي، وإنقاذنا من التهميش القاسي الذي عانيناه طوال عقود بإشراكنا في التنمية والإدارة المحلية وتوفير السكن اللائق والخدمات وتوطيننا وتوفير الأمن والأمان لأهالينا».
وفي إجابة عن سؤال بشأن رد فعل قبيلته في حال عدم استجابة الحكومة الجديدة لمطالبها، قال ولد سيده: «سنضغط من خلال المجتمع المدني والأحزاب التي سنكون جزءاً منها». وأوضح أن عدد التبو الليبيين لا يتجاوزن 100 ألف، ينتشرون في أنحاء ليبيا، إلا أن وجودهم يتركز في مرزق أقصى الجنوب الليبي.
من جهته، رأى قائد ميليشيات التبو، لبركة وردكو، دعوة زعيم قبيلة التبو الى انشاء دولة على غرار جنوب السودان، بالرأي الشخصي الذي لا يعبّر عن رأي القبيلة. وقال وردكو لـ«الأخبار»: «نحن لسنا دعاة حرب ولا دعاة انفصال، بل دعاة حقوق». وأكد أنه وميليشياته يلتزمون تعليمات وزارة الدفاع والداخلية ورئاسة الأركان، وانهم استجابوا لجميع مطالب الحكومة بتسليم المواقع العسكرية، مضيفاً: «نحن لن نكون شذوذاً عن أي دعوة لإنهاء المظاهر المسلحة في ليبيا. ودعونا مراراً إلى توحيد الجيش الليبي وتوفير الاحتياجات التي تمكننا من تأمين حدود البلاد الجنوبية المترامية الأطراف». وأشار إلى أن قبيلته وقفت بالكامل مع ثورة شباط منذ انطلاقتها، وهو الأمر الذي ولّد ضغينة من قبائل فزان العربية تجاه قبيلته، حسب تعبيره.



هجوم على مقرّ الحكومة


شن ثوار ليبيّون سابقون هجوماً لم يوقع ضحايا أول من أمس، على مقر الحكومة الانتقالية، «احتجاجاً على قرارها تعليق دفع مخصصات مالية لهم»، حسبما ذكر بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء أمس. وجاء في البيان ان «مقر مجلس الوزراء تعرض لهجوم من مجموعات مسلحة فتحت النار عليه». وأكد مصدر قريب من رئيس الوزراء أن أحداً لم يصب في الهجوم. واضاف أن «الهجوم كان قصيراً ولمجرد التخويف». لكن الحكومة الانتقالية عدّت الحادث اعتداءً على «سيادة الدولة وهيبتها» ورفضت «لغة التهديدات والابتزاز».
من جهة ثانية، أكد كاتب المحكمة الجنائية الدولية أن نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الاسلام (الصورة)، المطلوب لدى المحكمة لجرائم ضد الإنسانية، أعرب عن أمله في محاكمته في ليبيا. وقال كاتب المحكمة في تقرير بتاريخ 5 آذار نشر أمس، ان القذافي قال: «آمل أن تجري محاكمتي هنا في بلادي، سواء أعدموني أو لا»، وذلك بالاستناد الى مقابلة جرت في 3 آذار الماضي مع سيف الإسلام في الزنتان على بعد 180 كيلومتراً جنوب طرابلس مكان احتجازه.
(أ ف ب)