في كل صباح تستيقظ وأنت تبحث عن فنجان قهوة لتصحو فعلاً. تقوم متكاسلاً باحثاً عن أمل، تجد نفسك مظلوماً ومعذباً، لكن، هل أنت فعلاً كذلك بالمقارنة مع من يقضي عمره أسيراً محروماً وجهَ أمه، حبيبته، حريته، باحثاً عن مخرج. ياسين أبو خضير صحفي قضى سحابة شبابه يدور حول نفسه بين أربعة جدران، في قبضة عدو يغتصب كل شيء في حياته، ويستبيح أدنى الحقوق. هم كثيرون الذين حاربوا الاحتلال، وأكثر منهم الذين ظلموا لدفاعهم عن حقوقهم. كل القصص قد تبدو "عادية" في ظل ما نُعانيه من قهر يومي، لكن قصة أبو خضير أرَّقت الشارع الفلسطيني، ولامست قلبي، في كل مرة أقرأ خبراً عن أسير ما أتذكره هو، وأقول في نفسي: أي ظلم هذا الذي يجعل الإنسان قوياً هكذا على غرار الأسير المحرر ياسين أبو خضير؟
ستة وعشرون عاماً حارب فيها الموت والجوع. قال: "سأُحاربهم حتى موتهم.. لا موتي!"، وقهرهم مرات كثيرة. أسروه فكان هو المنتصر رغم كل شيء.
قاوم بقلمه في جريدة القدس والميثاق. لفقوا له تهماً بتنفيذ عمليات ضد الاحتلال: كان في الجبهة الشعبية منذ عام 1987. كان في عمر الثالثة والعشرين حين قالوا له: "السجن مصيرك"، فأجاب: "يا مرحبا بالحرية إذن!". ترك أمه وإخوته، لكن الشعب كله استقبله وكان أهله.
يومها ترك أيضاً خطيبته وذهب وحيداً، لكنها بقيت وحيدة على باب السجن، فالحب لا يعرف أبواباً ولا حواجز. استمرت الرسائل، استمر الحب نفسه رسولاً بين القلوب، كان يكتب على الجدران اسمها إلى جانب فلسطين، وكانت تحفر أغانيهما قلباً داخل قلبها. الحب كان سلاحه الثاني، وسلاحها الأول.
قائمة من الممنوعات لا تنتهي في السجن: قوانين تضمن لهم تعذيب الأسرى نفسياً، منع من زيارة الأهل، فضلاً عن تصرفات كان يقوم بها الاحتلال لإرهاقهم وقهرهم، ترك الإنارة شغالة في المساء واستخدام مكبرات الصوت، فضلاً عن حفلات الشواء التي كانوا يقومون بها في أيام الإضراب!
مرت السنوات على وجعه. ستة وعشرون عاماً، قاوم في خلالها بإضرابه عن الطعام المفتوح. أسرى معه لم يحتملوا وفارقوا الحياة. كان لياسين المقدسي الوحيد الناجي. من أين كان يستمدّ قوته هذه ليقف في وجه الموت بطلاً!
استأصلوا جزءاً من معدته. بقي في المستشفى لوقتٍ طويل، وكان نفسه أطول.
كان من المفترض أن يخرج هذا العام من الأسر 2016، لكن الله قدرته كانت أكبر من أحكامهم، فخرج في صفقة عام 2014، كانت حبيبته تنتظره.
ستة وعشرون عاماً انتظرته. أخبرها: "وحبي لكِ أكبر. سنبني بيتاً وعائلة تقول للاحتلال لا وتعيد للمقاومة مجدها".
تزوجا في 14/3/2015. منذ أيام قليلة كانت ذكرى زواجهما الأول!