عبر نصٍّ كتبه الشاعر الفلسطيني محمود درويش، قرأ "الختيار" ياسر عرفات نص إعلان استقلال فلسطين في 15 نوفمبر 1988 من العاصمة الجزائرية (ولو أنَّ الإعلان الأوّل كان قد حدث في تشرين الأوّل 1948 وأعلنته وقتها حكومة عموم فلسطين –والتي كان الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين مسيطراً عليها وأحمد حلمي عبدالباقي رئيساً لها- في غزّة). كانت فلسطين والتي –حتّى اللحظة- ليست "دولةً" مستقلةً بأي شكلٍ من الأشكال؛ كياناً كما وصفه الشاعر نفسه: "لنا وطنٌ من خيال، فتكلّم لأسند رأسي على حجر" حيث يبقى الاحتلال الصهيوني عثرةً أساسيةً لأي حديثٍ على دولةٍ (سواء مستقلة أو غير مستقلة).
تشبه فلسطين كائناً عضوياً لا يمتلك قوائم، أو لربما كما يقول إدوار سعيد: "هي كائن خليوي لا يمتلك أي بنية حقيقية" باختصار ومن دون إطالةٍ وشرح، لا تمتلك دولة فلسطين (سواء قلنا رام الله أو غزّة) أي إمكانية للحياة بشكلها الحالي الاستقلالي الذي يلوّح به كثيرون من داخل السلطة الفلسطينية. فأن تقول بالدولة الفلسطينية –اليوم- كما لو أنّك تقول نكتةً سمجةً للغاية. نكتةٌ لا تضحك أحداً، فضلاً عن أنّها لا تضحكك أنت شخصياً. فكيف يمكن لدولةٍ لا تمتلك أدنى مقومات الحياة/الصمود أن ترفع شعار كونها "مستقلةً" وقادرةً على البقاء. فبحسب كثيرٍ من تعريفات، فإنَّ تعريف "دولة" يأتي من أن تكون مستقلةً مادياً ومعنوياً وقادرةً على الاستمرار ودعم نفسها (مواطنيها ضمناً) وحدها، من دون معوناتٍ من أحد. بالتأكيد كان هناك بعض الدول التي قامت بدعمٍ كاملٍ من دول أكبر منها –كدولة الصهاينة مثلاً، أو جمهورية الدومينيكان أو بعض الجمهوريات الأفريقية الصغيرة- لكن تلك الدول قامت آنذاك ولم تعش أو تستدم إلا بمقدار ما استمر الدعم الخارجي لها. يراهن كثيرون من داخل السلطة الفلسطينية على هذه "الكذبة" وعلى أنَّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية –فضلاً عن الدولة العبرية- سيظلان على وعودهما ويدعمان هذه الدولة الوليدة/المسخ. طبعاً هذا نقاشٌ كبير يستفيد منه الأوروبي/الأميركي جراء إقامة دولةٍ من هذا النوع.
يطمح الأوروبي إلى صفر مشاكل في الشرق الأوسط، لا لأنه ببساطة يحب سكان المنطقة، بل لأنه ببساطة يرغب في أن يحصد المنطقة ويغربلها من كل كنوزها الثمينة، الأميركي بدوره يفكّر بنفس الطريقة، وإن كان يفضّلها -أي المنطقة- محترقةً وجاهزة للقطاف قابلة للشراء من أمراء حربها (على الهامش اغتر بعض الزعماء الأوروبيين –أمثال زعيم فرنسا السابق ساركوزي بالفكرة مثلاً فساعد في إحراق ليبيا ضمن المنطق الأميركي، لكنه لم يحصد إلا الفشل). ولأن القضية الفلسطينية لا تزال بالنسبة الى كثيرين "قضية" العرب المركزية، كان من الطبيعي أن يهتم الغربي (أوروبياً كان أو أميركياً) بها أكثر من غيرها، ويعتبرها قضيةً لا بد من حلّها ومن هنا كان الضغط كبيراً لإبقاء جمهورية أبو مازن حيةً ترزق، رغم أنَّ الجميع يعلم بأنها ميتةٌ منذ أكثر من خمس سنواتٍ كاملة. حاولوا مراراً إحياءها عبر دعم ترشيحها في مؤسسات دولية، عبر اشراكها في اتحاداتٍ رياضية كثيرة، عبر مساعدة رياضييها في حيازة جوائز من مسابقاتٍ دولية. كل هذا كان بمثابة "إخبارٍ" للكوكب أنَّ هذه الدولة موجودةٌ ولو أنَّ الجميع لا يعرف أين تقع وما هي حدودها أصلاً. بطبيعة الأحوال ليس هناك في السياسة أحلى من الكذب، وخصوصاً إذا ما كان الكذب على جمهورٍ من الجهّال الذين لا يعرفون –أو حتى لا يعنيهم- عماذا تتحدث. أضف إلى كل هؤلاء التجّار الذين تم استخلاقهم كي يقودوا القضية نفسها حالياً، هؤلاء التجّار –وأطفالهم الجميلون- باتوا جزءاً من المعادلة الأكبر: الأوروبي يدفع، التجار يأخذون، القافلة تسير، الدولة تصبح دولةً حتى ولو كانت من خيال.
في عام 1988 أعلن أبو عمّار نص استقلال الدولة الفلسطينية، وقبله في عام 1948 أعلن استقلالها، وسيعلن استقلالها أيضاً في عام 2020، ولربما 2027، و2250، كل هذا لن يعني لأحدٍ شيئاً طالما أن هناك احتلالاً صهيونياً لتلك الأرض. لا يعيد السلامُ والاتفاقيات والمعاهدات شيئاً –هكذا تعلّمنا- وحدها البندقية هي الطريق الصحيح. وحدها البندقية هي الخلاص!

أبو عمّار يعلن الاستقلال الفلسطيني في الجزائر: