في المخيم: في وقتٍ ما، وقبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ما إن كان يغضب الشخص وتحتدم الأمور كثيراً في "خناقة" ما، حتى يقول الجملة التي كانت تضمن الشعور بالانتصار، وهي أن يقول أحد المتخاصمين للآخر: "والله إلا أدعس عليك". كان هذا يعني كارثة للمدعوس، ووعد بحالة من "الخبص" بالقدمين سَيُعجن فيها المقصود عجناً، ولا بأس برائحة القدمين التي قد تفوح بالقرب من أنف المدعوس، فأثر أحذية البلاستيك على القدمين "لا يُضاهى"! ولا ينفع البصل في التخفيف من وطأة هذه الرائحة، كما ينفع مع رائحة الغاز المسيل للدموع مثلاً.

في القرية:
أمر الدعس أكثر تطوراً، فمعظم الفلاحين يملكون جراراً زراعياً غير مرخص، وإن غضب صاحب الجرار وهدد شخصاً بالدعس؟ فهذا يعني أن نهايته... كارثية، سيتحول الى "كفتة"، وسيهرس جيداً مع خليط من التراب وبعض أوراق الشجر.
الدهس في القرية، صحيح أنه مميت، لكنه أجمل من المخيم، فلا رائحة للقدمين، ولا صوت غريباً بعد القفز على البطن، هو أكثر سهولة نحو الموت.

في المدينة:
حالة الدهس أكثر رقياً، فلا شك في أنها ستكون من شاحنة كبيرة، مؤمّنة ويملكها شخص ثري، يقود سيارة الشركة أو الأب بجنون، ويدهس شخصاً محدداً، يحمله معه في رحلة سريعة على "بوز" الشاحنة في شارع طويل ومفتوح يحف بجنباته شجر النخيل، وسيمضي مسافة جيدة محمولاً هكذا بقوة الدفع، إن لم يطر إلى السماء من دون أجنحة، ليسقط على أسلاك الكهرباء ويعلق هناك.

مضى هذا الزمن الجميل، الذي تخلله التهديد، وقليل من التنفيذ، وقليل من حالات الدهس المتعمدة، إلى أن ظهر داعش، وتحول الداعس إلى داعش بالرصاص والموت للفقراء والمواطنين، وفي هذا الفرق الاصطلاحي باللغة، تكمن سخرية القدر، بين داعس وداعش، بين إرهابي استخدم الشين للدمار والقتل كيفما شاء، وبين سقوط الشين للسين في فلسطين وعودة الدهس لعدو غاشم، لم يميز بين طفل وعجوز. ويتلاقى الداعش والداعس في تفكيرهما الإرهابي الذي يفتك بالمنطقة.

حقق بعض الشباب الفلسطيني أمنياتهم في الحصول على رخصة سياقة، لكنهم لم يذهبوا إلى البحر، ولم يقطعوا بسياراتهم المسافات الطويلة، بقوا في مساحات محدودة، فكسروا صمتها بدهس جنود محتلين يقفون على أبواب المخيمات والقرى مدججين بالسلاح، وسقطت النظريات والتنسيقات الأمنية بين احتلالين في منعهم من الأخذ بحقهم والثأر لأطفال شوهوا وماتوا وهم يلعبون.

في الطفولة لم نفهم ماذا يعني " أدعس عليك"، إلا إذا امتلكت دراجة هوائية تساعدك في تنفيذ عملية الدعس، وحين كبر الأطفال فعلوها، فدهسوا ما استطاعوا من جنود الاحتلال، ولا زالوا يحافظوا على ذكريات طفولتهم في الدعابة " كادعس والحقني".

بين داعس وداعش سقط حرف السين، وبين حرفي السين والشين تغيرت معادلة بكاملها،
الشين: تبعث على الريبة، والضغينة، والتفكير في التكفير، الشين مرعبة حين تتصل بتلك الحروف ما قبلها. اما السين: فهي ملعب، وملهى للفكرة، تنقذنا كلما تعبنا من هوس السياسة.
وتفتح آفاقاً جديدة كلما خطر لنا ان نختمها... بالشين!