القاهرة | مستقبل غامض ينتظر منظمات المجتمع المدني غير المسجلة لدى وزارة التضامن عقب انتهاء المهلة التي منحتها وزيرة التضامن غادة والي لتسجيل تلك المنظمات يوم أمس.وقالت والي في تصريحات صحافية إن 9 منظمات أجنبية و8 كيانات مصرية استجابت لدعوة الوزارة وسوّت أوضاعها وفقاً للقانون 84/2002، مضيفةً أنها ستخاطب الكيانات المختلفة لدراسة موقفها القانوني، من حيث طبيعة القوانين التي تحكم عملها وطبيعة أنشطتها، وستتعامل مع كل حالة على حدة في حدود القانون، كما أنها ستخاطب الجهات التي تتبعها هذه الكيانات.

وشددت الوزيرة على أن الحكومة لا ترمي لإقصاء أي منظمات مجتمع مدني تعمل لخدمة المجتمع المصري بشفافية، وتحترم القوانين المصرية.
إلا أن عددا من منظمات المجتمع المدني رفض التسجيل لدى الوزارة وفقاً لهذا القانون، على رأسها سبع منظمات أعلنت عدم مشاركتها في الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في مصر، أمام الأمم المتحدة، بسبب ما وصفته بـ «تهديدات لمنظمات حقوق الإنسان»، فضلاً عن عدد من المنظمات، التي أوقفت أنشطتها أو انسحبت من مصر قبل انتهاء تلك المهلة، على رأسها مؤسسة المورد الثقافية، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي، بسبب تخوفات عديدة من تقييد حريتها أو تعرض أفرادها للسجن على خلفية هذا القانون.

مشكلة المنظمات مع القانون
الغطاء القانوني الذي تعمل تحته منظمات المجتمع المدني في مصر لا يخلو من فوضى، فبعض المنظمات تعمل كجمعيات أهلية، والبعض الآخر مُسجل كشركة محاماة، أو شركات مدنية، وخاصة التي تعمل على قضايا الحقوق والحريات، إلا أن هناك بعض المنظمات، وخاصة تلك التي أُنشئت بعد ثورة «25 يناير»، التي تعمل دون غطاء قانوني.
بدورها لم تتوقف المناقشات ومحاولات الاتفاق على قانون ينظم عمل المجتمع المدني بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني من بعد الثورة، وشاركت المنظمات في العديد من تلك النقاشات «إلا أنه لم يؤخذ بأي من مقترحات تلك المنظمات» كما ذكر تقرير قدمه مركز «القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حمل اسم «حرية تكوين الجمعيات في مصر».
ووصف التقرير قانون 84 لسنة 2002 المنظم لعمل الجمعيات الأهلية، الذي تلزم الدولة بموجبه المنظمات التسجيل والعمل من خلاله بـ «القانون القمعي، الشديد التقييد لحرية العمل الأهلي»، لأنه يفوض التسجيل الإجباري على الجمعيات، ويعاقب بالحبس من يعمل خارج إطاره، كما يعطي سلطات واسعة للحكومة في رفض تسجيل الجمعيات بناءً على معايير فضفاضة غير منضبطة، كما أن القانون يقيّد حق الجمعيات في الانتساب أو الانضمام إلى منظمات أو هيئات خارج مصر.
وأضاف التقرير أن القانون يتدخل إلى أبعد حد في خصوصية الجمعيات وفي إبقائها دائماً تحت الرقابة المستمرة وسيطرة الجهات الإدارية، من خلال تقييد حرية الجمعية في اختيار مجالس إدارتها، ومواعيد اجتماعاتها، كما أن القانون يجيز للوزير المختص عزل مجلس الإدارة، والحق في إصدار قرار بحل المنظمة وفقاً لأسباب فضفاضة مثل إذا ارتكبت المنظمة مخالفة جسيمة للنظام العام أو الآداب، أو إذا فشلت الجمعية في تحقيق أهدافها التي أنشئت لأجلها، أو الحصول على تمويل من الخارج، أو الاشتراك في منظمات دولية دون موافقة الجهة الإدارية.
في سياق متصل، أوضح إيهاب سلام المحامي في المجموعة المتحدة القانونية، وهي شركة محاماة مسجلة ومشهورة، في حديث لـ «الأخبار» أن «القانون يحتوي أيضاً على تضارب بين بعض المواد، مثل المادتين ٣٦ و ٣٩، فالمادة ٣٦ تقول إنه لا يجوز لمدير الجمعية أن يحصل على مقابل مادي لعمله، فيما تقول المادة ٣٩ إنه يجوز تعيين مدير لمجلس الإدارة ولمجلس الإدارة الحق في تحديد المقابل، إذن فهناك تضارب يجب ألا يكون قائما في قانون ينظم حق من الحقوق الأساسية وهو الحق في التنظيم».
وأضاف سلام في ما يخص التمويل «أعطى القانون الحق للدولة أن ترد على المنظمة التي تريد الحصول على تمويل في خلال ٦٠ يوما، فيما عند التطبيق على أرض الواقع فإنّ الدولة لا تلتزم تلك المهلة، وما من طريق سريع للجمعيات لتشتكي من ذلك سوى اللجوء للقضاء، الذي قد يستغرق سنوات، مما يعيق عمل مشاريع تلك الجمعيات ويفقدها عامل السرعة الذي قد تحتاج إليه لإنجاز مشاريع خاصة بحالات طارئة أو عاجلة».
من بين المنظمات التي رفضت تلك المهلة الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ووصفها مديرها الحقوقي جمال عيد بـ«الإجراء البوليسي» لأن تسجيل منظمات المجتمع المدني وفقاً للدستور يكون بالإخطار، ووزيرة التضامن الاجتماعي «تريد أن تحصل تلك المنظمات على تراخيص»، بحسب قول عيد.
وأوضح عيد في حديث لـ «الأخبار» أن منظمته تتوافق مع النص الدستوري الذي يقول إن إنشاء المنظمات وتسهيل عملها يكونان بالإخطار، مضيفاً «ما زالت المنظمة تتشاور في إرسال إخطار لوزارة التضامن، لكن لن نقبل «القانون البوليسي» الذي يتوافق مع أمن الدولة».
ويرى عيد أن هذا الإجراء الذي تتخذه وزارة التضامن ضد المنظمات هو إجراء أمني لتصفية المنظمات من خلاله، أو ترويضها، عقاباً لها على دورها في كشف انتهاكات الحكومة والأجهزة الأمنية المتعددة من قبل الثورة.
9 منظمات أجنبية و8 مصرية سوّت أوضاعها مع انتهاء المهلة أمس


وكشف عيد أن «بعض المنظمات جرى التفاوض معها بالفعل للتواطؤ إلا أن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تفضل أن تغلق على أن تتحول لمنظمة متواطئة تخضع لجهات الأمن».
وتعمل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان على التشبيك بين المنظمات المصرية والعربية، وجميع إصدارات حقوق الإنسان باللغة العربية على الانترنت، ويوضح عيد المزيد عن طبيعة عملها قائلاً: «نحن نعمل كمجموعة من المحامين طبقاً لقانون المحاماة، ولا نحصل على تمويل، بل نتعاقد مع مؤسسات حقوقية جادة ليس منها الحكومة الأميركية أو البريطانية، ونعلن الجهات التي نتعاقد معها من خلال إصداراتنا».
في المقابل، أرسل مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، الذي عُرف بتأييده الدائم لنظام ما بعد «30 يونيو»، وقاد حملة دولية لإدراج جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، إلى وزارة التضامن الاجتماعي إخطارًا للتسجيل.
وأكدت المديرة التنفيذي للمركز، داليا زيادة في حديث لـ «الأخبار» أن «الجميع متفق على تقنين وضع المنظمات، لكن القانون فيه بعض المشكلات التي يجب معالجتها، ودور الحكومة يجب أن يكون رقابيا لا إشرافيا».
وأوضحت زيادة أن المركز بصفته الحالية مسجل لدى الحكومة كشركة مدنية غير هادفة للربح، وتوضح العقود الخاصة به أنه يعمل فى مجال الدراسات وحقوق الإنسان، إلا أنه أرسل إلى وزارة التضامن لترتيب أوضاعه وفقاً للقانون موضع الخلاف.
وكانت، تقارير صحافية قد نُشرت في الصحف المصرية تحدثت عن أن الأمن الوطني أرسل إلى وزارة التضامن كشفا يتضمن أسماء 100 منظمة حقوقية تعمل دون ترخيص.




مناشدة أوباما للتدخل «الوقائي»


أرسلت 11 شخصية أميركية خطاباً إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما تطالبه بـ «التدخل الوقائي لمنع تزايد قمع المجتمع المدني في مصر».
وعلى رأس موقعي هذا الخطاب سارة مارجون، مدير منظمة هيومان رايتس وتش، إليوت أبرامز، مديرة برامج مؤسسة «فريدوم هاوس» لمنطقة الشرق الأوسط تشارلز دان، ونائب المدير التنفيذى لبرامج منظمة «العفو الدولية» في الولايات المتحدة، مارغريت هوانغ، ومساعد أول لبرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، ميشيل دن، والمدير التنفيذى لـ«مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط» ستيفن مكينيرنى. وكتب الموقعون في الخطاب أن «قانون تنظيم الجمعيات المصرية يُخوّل للحكومة المصرية إغلاق أي منظمة وتجميد أصولها ومصادر ممتلكاتها، ورفض المرشحين لمجلس إدارة هذه المنظمات ومنع تمويلهم، فضلًا عن رفض طلبات الانتساب إلى المنظمات الدولية»، وأشاروا إلى أنه «فى الأغلب لن يُسمح بتسجيل المنظمات التي ينظر إليها على أنها تنتقد الحكومة».
(الأخبار)