بغداد | بدأت ملامح نتائج الحملة العسكرية التي بدأت بها القوات الحكومية العراقية بمساندة قوات الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين (180 كلم) شمال العاصمة بغداد بالظهور، بعد مرور أربعة أشهر على سيطرة تنظيم «داعش» على مناطق واسعة من المحافظة، شهدت خلالها عمليات كر وفر بين القوات الحكومية ومسلحي «داعش»، خاصة في الأقضية والنواحي التي تقع جنوبي المحافظة.

مدينة تكريت، مركز المحافظة، مُحاطة منذ يومين بقوات حكومية كبيرة، أغلقت منافذها، فيما قلّت حركة عناصر تنظيم «داعش» داخل المدينة التي انقطعت جغرافياً عن محافظة كركوك (شمالي العراق) بعد تفجير الجسر الرابط بينهما، لكن الطريق الرئيس الرابط بين بغداد ـ تكريت وصولاً إلى قضاء بيجي ما زال سالكاً بالنسبة إلى عناصر التنظيم. وفيما لا تزال مدينة تكريت محاصرة حتى اليوم، من كل جانب، فقد تشهد العمليات المقبلة تطهير قضاء بيجي وناحية الصينية والزوية والعلم والحجاج، خاصة بعد استجابة العشائر وتعاونها مع القوات الحكومية.
وفي عملية استباقية، قامت القوات الأمنية في قيادة عمليات صلاح الدين، بالتعاون مع جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الرد السريع، أول من أمس، بتطهير ناحية الصقور وحماد شهاب والمحزم والحويش والحمرا والرياشية، وبسبب قلة العتاد تم إيقاف العملية لغاية إيصال الدعم.
تنظيم «داعش» في محافظة صلاح الدين يعيش هذه الأيام حالة من التفكك، وسط بيئة رافضة له، على عكس الأيام الماضية عندما كان يسيطر عليها، وسط قبول على مضض من السكان هناك، لكن المجاميع الأمنية الخاصة عملت على إيجاد نقاط ضعف في التنظيم، ما دفع بعض عناصره إلى التراجع نحو القرى الشمالية لقضاء بيجي القريبة من المصفاة النفطية، في محاولة لاقتحام المصفى وإشغال الأجهزة الأمنية بهذه العملية، ليتسنى لهم إعادة ترتيب أوراقهم في القضاء.
الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، هشام الهاشمي، أوضح في حديث إلى «الأخبار» أن «تحرير قضاء بيجي وناحيتي العلم والحجاج وتأمين مسرح عمليات تكريت سوف يؤديان إلى تهيئة البيئة الاستراتيجية لتحرير أقضية الشرقاط (شمالي شرقي محافظة صلاح الدين) والصينية والزوية من احتلال «داعش»، وسيعطيان العشائر السنية فرصة المشاركة في تحرير نينوى».
رئيس اللجنة الأمنية في محافظة صلاح الدين، جاسم الجبارة، تحدث إلى «الأخبار» عمّا وصفها بالمؤشرات الإيجابية، ومنها «حالات هروب عناصر تنظيم «داعش» خارج المحافظة، باتجاه القرى القريبة من محافظة كركوك، بعد انحسارهم في مدينة تكريت المطوّقة من قبل الأجهزة الحكومية».
وأشار الجبارة إلى وجود «تحشيد عسكري كبير من قبل القوات الأمنية العراقية، تستعد للقيام بحملة تطهيرية كبيرة على جميع أقضية ونواحي محافظة صلاح الدين في وقت واحد، حتى تتمكن من الوصول إلى مدينة الموصل بدون عقبات».
وتعتبر المنطقة الغربية لقضاء بيجي النقطة المهمة لتنظيم «داعش»، فهي منطقة الوصول إلى محافظة الأنبار، وهي معقل وجوده في العراق، والتي من خلالها يسعى إلى توزيع شبكاته الموصولة بمحافظتي صلاح الدين والموصل، لذلك تمركز التنظيم الآن في ناحية الصينية (غربي قضاء بيجي) والتي تربطها حدود صحراوية مع قضاء حديثة، تُسهل وصول الامدادات إليه.
العشائر «السُنيّة» الآن أمام اختبار حقيقي، خاصة تلك التي اتُّهمت في مجزرة «سبايكر» في حزيران الماضي. الاختبار مفتوح أمام تلك العشائر لمساندة القوات الأمنية وطرد عناصر «داعش» من المحافظة، والتبرّؤ من أبنائها الذين قرروا الالتحاق بالتنظيم، وإلا فإنهم سيكونون أمام رفض اجتماعي كبير، خاصة من عشائر جنوبي العراق التي فقدت أبناءها في تلك المجزرة.
مصادر أمنية رفضت الكشف عن اسمها، أكدت لـ«الأخبار» أن عدداً من عشائر محافظة صلاح الدين أعلنت عن استكمال استعداداتها وجهّزت أبناءها لمحاربة «داعش»، ووضعتهم في مرحلة الاستعداد، بانتظار الإشارة من الحكومة العراقية لإسنادها، في عملية مسك الأرض، عند تقدم الجيش إلى مناطق أخرى.
وحتى الآن لم يعلن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" موقفه من العملية العسكرية المرتقبة في صلاح الدين، لكن يبدو من المعطيات حتى الآن أن الاعتماد سيكون على الطائرات العراقية والقوات البرية الحكومية بالتعاون مع فصائل الحشد الشعبي.