حين خرج باراك أوباما في أيلول الماضي ليعلن الحرب على «الدولة الاسلامية» (داعش)، ماثل في خطابه الشهير بين الاستراتيجية الأميركية المرتقبة في العراق وسوريا لمحاربة التنظيم المتطرف، وبين تلك المتبعة في اليمن والصومال، والتي تستهدف فروع تنظيم «القاعدة».
أوجز أوباما هذه الاستراتيجية بالآتي: «حصار الارهابيين الذين يهددوننا ودعم حلفائنا في الخطوط الأمامية، أحد الاساليب الناجحة التي اتبعناها في اليمن والصومال لسنوات».
غير أن استناد أوباما إلى نموذج اليمن تحديداً في خطابٍ يحدد معالم مرحلة بات اسمها «الحرب على داعش»، كان أمراً مثيراً للاستغراب والتساؤل والسخرية أيضاً. سؤال واحد تمحورت حوله التعليقات في الصحافة الغربية آنذاك: أين يرى أوباما نجاحاً يُحتذى به في استراتيجية بلاده تجاه اليمن؟
في الواقع، كان اليمن الاسم الأكثر تداولاً، خلال مرحلة ما قبل تشكيل «التحالف ضد داعش»، من خارج البلدين المعنيين مباشرةً، العراق وسوريا. فبعد 4 أيامٍ من زيارة كبيرة مساعدي أوباما لشؤون الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب ليزا موناكو صنعاء، اتصل أوباما بالملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز للبحث في إعلان الحرب على «داعش».

في الاتصال نفسه، بحثا التطورات في اليمن، مجدّدين «التزامهما المشترك بدعم الرئاسة اليمنية بموجب المبادرة الخليجية»، ردّاً على اعتصام الحوثيين في صنعاء آنذاك. في اليوم نفسه، أعلن أوباما تنبي «النموذج اليمني» في «الحرب على الارهاب» في سوريا والعراق. إلى جانب الأهمية التي يمثلها اليمن ضمن موازين القوى الاقليمية، وخصوصاً لجهة ثقل الحوثيين الذي يعوّل عليه كثيرون في تسويات مرتقبة بين السعودية وإيران ـ ما يحيلنا على بحثٍ آخر ـ ان ما يجعل اليمن عبرةً، هو النتيجة التي خلفتها الضربات الاميركية على تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، الفرع اليمني لتنظيم «القاعدة»، وعلى واقع البلد برمته.
دشّن «القاعدة»
اليوم مرحلةً جديدة عنوانها الصراع المذهبي مع الحوثيين

ولعلّ الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، نيكولاس كريستوف، استطاع اختصار الكثير في هذا الاطار، حين قال: «قد يكون باراك أوباما الشخص الوحيد في العالم الذي يرى الصراعات التي تمزق اليمن والصومال، انتصارات». كذلك، رأى الكاتب الأميركي غريغوري جونسون أنه «ربما اختلط الأمر على أوباما بين القتل والنصر». في عام 2002، شنّت واشنطن الضربة الجوية الأولى على فرع «القاعدة» في اليمن، قبل أن تخفت ضرباتها طيلة 7 سنوات، ثم تعيد تفعيلها في 2009، بعد اتهام التنظيم بمحاولة تفجير طائرة أميركية متوجهة من أمستردام إلى ديترويت. منذ ذلك الحين، قادت أميركا أكثر من 100 ضربة جوية، بين غارات وهجمات لطائرات من دون طيار، قتلت فيها على الأقل 490 مقاتلاً من التنظيم و105 مدنيين، وفقاً لمجلة «الحرب الطويلة» الأميركية. وأقرّ مسؤلون أميركيون بأن الضربات التي شنتها بلادهم «خلطت بين الميليشيات والمدنيين والأطفال».
غير أن جرائم الحرب التي اعترفت واشنطن بارتكابها خلال الحملة على «القاعدة» في اليمن، لم تكن السبب الوحيد الذي يجعل اختيار أوباما لـ «النموذج» اليمني مثالاً غير موفق للحملة الجديدة على تنظيم «الدولة الاسلامية»، إذ إن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت، في أحد أحدث تقاريرها عن «الإرهاب»، أن «القاعدة» في اليمن «يمثل التهديد الأكثر خطورة وتنامياً على الولايات المتحدة وعلى مواطنيها ومصالحها في اليمن». وأضاف التقرير أن الحكومة اليمنية «كافحت ضد الجماعة رغم إعادة الهيكلة السياسية والأمنية الجارية داخل الحكومة نفسها»، وتابع: «لكن القاعدة استمر في عرض قدراته من خلال استهداف المنشآت الحكومية ومسؤولي الأمن والاستخبارات، وأيضاً عبر ضرب الأهداف السهلة مثل المستشفيات».
يدعم هذا التقرير، رسمٌ بيانيٌّ نشره موقع «غلوبل ريسيرتش» الكندي، يستعرض فيه عدد الهجمات التي شنها «القاعدة» في اليمن، منذ 2009، عام انطلاق الحملة الأميركية فعلياً ضده. الرسم يظهر أن هجمات التنظيم ارتفعت بصورة ملحوظة خلال سنوات الحملة الاميركية عمّا كانت عليه قبلها، حتى فاقت الـ400 عملية عام 2013.
ويخلص الموقع إلى استنناج أنه إذا تطورت الحملة الأميركية تحت راية «التحالف الدولي» في العراق وسوريا، على النسق اليمني مثلما أعلن أوباما، فعلينا أن نتوقع الآتي: أولاً ارتفاع بالغ في عدد العمليات الإرهابية في العراق وسوريا مع كل ما سيترتب على شعوب المنطقة من ذلك، ثانياً أن نرى ضحايا مدنيين بين قتلى ومصابين ومهجرين ومفقرين، كأحد آثار الضربات الأميركية.
«القاعدة في جزيرة العرب» لم ينتهِ. لا بل تشير الوقائع في اليمن إلى أنه عزز قدراته ومواقعه بعد توسعه في الجنوب، وأرسى نظاماً اجتماعياً خاصاً في مناطق حضرموت وغيرها. واليوم، نشهد على زمنٍ مفصلي في مهام التنظيم المتطرف. فبعد التغيير الذي أحدثه الحوثيون في المشهد السياسي في البلاد، دشّن «القاعدة» مرحلةً جديدة عنوانها الصراع المذهبي المباشر مع الحوثيين. حيث خطا التنظيم في الايام القليلة الماضية أولى خطواته في الاحتكاك المباشر مع مقاتلي «أنصار الله» في محافظتي البيضاء وإب، وسط البلاد، ليدخل البلد المنهك أساساً إلى مرحلة لعلّها أخطر من كل ما سبق... كل ذلك مترافق مع إيقاع دولي اسمه «مكافحة الارهاب».