لا شيء يكفي إلا أن يختار هذا البطل طريقة موته فحسب، هذا هو الاختيار الوحيد المحسوب والممكن في هذا الأتون المتوجس من الحياة. يمكننا أن ندرس كلاماً كثيراً وحركةً كثيرة، لكن مثل تلك التي يمر تحتها الفلسطيني لا شيء يكتب.
أنت لست معنا؟ إذاً اخرج من ارضنا. أنت لا تؤيدنا؟ اذا اخرج من أرضنا. أنت لا تحب ما نقوله؟ اذا اخرج من أرضنا. أنت لو تنفست حتى! اخرج من ارضنا. هذه الأغنية "الشعوبية" اللطيفة، سمعت وتسمع وستسمع طالما لم تعد فلسطين. ولأن عودة فلسطين طويلة الأمد، وثقيلة الأرجاء، فإن الفلسطيني سيظل يسمعها، أراد أم لم يرد. أحب أو لم يحبب. تلك الأغنية سيسمعها في كل الأوقات. خلال الأزمة السورية، وقف الفلسطيني أمام حلول كالعلقم: المعارضة عدّت نفسها وكيلاً شرعياً للفلسطينيين، فخيرتهم إما أن ينضموا أو يصبحوا خونةً للشعب ودمائه، وبالتالي تصبح دماؤهم مهدورة. النظام من جهته وضعهم أمام الخيار نفسه، إما أن يكونوا معه أو يموتوا. الأنكى من ذلك الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية "المعطاءة" فعلت ما هو واجبٌ عليها، وقامت بما يمليه عليه دورها وضميرها: انقسمت كعادتها، قسمٌ أيّد المعارضة بكل ما أوتي من قوّة، وجر معه مؤيديه إليها، وقسمٌ أيّد النظام بالطريقة نفسها، وجر محازبيه معه. أما الفلسطيني؟ فليس للفلسطيني إلا الريح، والموت كخيارٍ أمثل.
ليس للفلسطيني إلا الريح، والموت كخيارٍ أمثل
في لبنان؟ الأمر مرٌ أكثر. أنت لست مع تيار المستقبل في منطقة يحكمها الزرق، إذاً ارحل. بكل بساطة (أو وحشيةٍ): ارحل. وبقية الأطراف ليست بأحسن حالاً، أو أرق مراساً، فإن كان حزب الله لطيفاً، فإن في جعبة الطرف ذاته أطرافاً، ليست لطيفة أبداً، ولا تؤمن لابالحوار ولا بالتفاهم، فإن لم تكن "معنا" فأنت علينا" وعليك الرحيل! وبعد ذلك يسألك "مستظرف" لماذا يكره الفلسطيني نفسه، ولماذا هو غاضبٌ دائماً.
السفارات والأمم المتحدة؟ ذلك حديثٌ آخر: حدثتني إحدى صديقاتي قائلة، بأنه في اليوم الأوّل من عملها في إحدى السفارات قال لها مديرها بالحرف الواحد: "لا تكوني لطيفةً مع هؤلاء "الكلاب" (أجل استعمل تعبير "الكلاب" عن الفلسطينيين المراجعين في قسمه) لأنكِ إذا كنتِ لطيفة فإنهم سينهشونكِ"، وأكمل شرب نسكافيه الصباح كأن شيئاً لم يكن. الجمعيات؟ ليست بأحسن حالاً أبداً، تسرق كل ما تقدر عليه، تحوّل الأموال لحساباتها الخاصة، وتجد من يدافع عنها من "قبضايات" وسواهم. التنظيمات الإسلامية؟ تلك أشد وطراً وأكره عزيمةً وشأناً، فهي لا تريد شيئاً ولا تفهم شيئاً ولا تعرف شيئاً، كيف؟ هي مستعدة لأن تحضر مجرماً مطلوباً من كل الكوكب إلى المخيّم فتعرّض المخيم بأكمله للحرق لأجل شخصٍ واحدٍ لا شأن لأحد به. وفوق كل ذلك لا أحد يستطيع الاعتراض لأن في ذلك "كفرا" وخلافا للإسلام! المشكلة في الموضوع أنّ هؤلاء أنفسهم إذا ما سألتهم لِمَ طرقات المخيّم تفيض بمياه آسنة، فسيهزون برؤوسهم بلا إجاباتٍ وسيرفعون أيديهم بالدعاء!!
باختصار: ليس للفلسطيني إلا الموت. يموتُ وحده، واقفاً، قاعداً، مائلاً، المهم أن يموت: ساعتها يرتاحُ ويريح!