تتعرّض المدن العربيّة التي باتت تُعتبر من المدن المختلطة في فلسطين المحتلة لحملة «تهويد» كبيرة تنفذها الحكومة الإسرائيليّة وأذرعها المختلفة، وفي مقدّمة هذه المدن يافا وعكّا وحيفا، وأيضاً اللد والرملة. حتى إنّ بيت «حكيم الثورة»، الشهيد جورج حبش (اللد)، جرى بيعه لليهود بعد أنْ أعلنت السلطات الإسرائيليّة أن البيت يعود للقيّم على أملاك الغائبين في الدولة العبريّة.
أما في يافا، فأطلقت حكومة العدو مخططاً تهويدياً جديداً للسيطرة على ما تبقّى من معالم عربيّة وإسلاميّة في المدينة التي يقطنها ما يقارب 23 ألف فلسطيني آثروا البقاء فيها بعد نكبة عام 1948.
تستعين تل أبيب
بكبار رؤوس الأموال اليهود لشراء الأراضي والمنازل
وبموجب المخطط، فقد خصصت دائرة «أراضي إسرائيل» مساحات من أراضي حي العجمي العربيّ في يافا لجمعية استيطانيّة يمينية اسمها (إموناة)، معلنة أن الهدف زيادة عدد اليهود في المدينة، والقضاء على الوجود العربيّ فيها. كذلك أخطرت شركة الإسكان الإسرائيليّة (حلاميش) 400 عائلة لإخراجها من منازلها.
إزّاء هذه الحملة الشرسة، أطلق سكان يافا حملة بعنوان (يافا ليست للبيع)، وقالوا إن هدفهم مواجهة السياسات الإسرائيليّة الرامية إلى تضييق الخناق عليهم وصولاً إلى تهجيرهم عن مدينتهم تدريجيّاً.
عملياً، بدأت السلطات الإسرائيليّة العمل بصورة حثيثة على تبديل حقائق الجغرافيا والتاريخ في يافا منذ إقرارها بيع أملاك اللاجئين الفلسطينيين التابعة رسمياً لما يعرف بـ«دائرة أراضي إسرائيل»، وكل ذلك في إطار مشروع قانون لخصخصة الأملاك العامة. ويسمح القانون باقتناء أملاك اللاجئين بالكامل بدلاً من اتفاقات استئجار لمدة 49 سنة، وهو ما شجّع المستثمرين على الشراء، وقد رفضت «المحكمة العليا الإسرائيليّة» التماساً لمنع بيع أملاك اللاجئين.
ويافا تُعاني من أزمة سكنيّة متفاقمة، إذ تزداد عمليات إخلاء عائلات عربية من منازل سكنتها عقب النكبة بموجب اتفاقية استئجار مع سلطات إسرائيلية وضعت يدها على أملاك اللاجئين، فيما تُطالب 250 عائلة فلسطينية السلطات الإسرائيليّة بتسوية أزمة السكن التي تلازمها منذ سنوات، لكن هذه العائلات تضطر الآن إلى الإقامة لدى أقرباء وأصدقاء، أو في بيوت مستأجرة، وسرعان ما تتعرض للإخلاء نتيجة العجز عن تسديد الأجرة.
رئيس رابطة رعاية شؤون عرب يافا، عمر سكسك، يقول إنّ المخطط التهويديّ يسير عن طريق «التهجير الناعم والعقلاني، وعملياً هناك 70% من سكّان يافا يقطنون في منازل ورثوها منذ النكبة، ووفق القانون الإسرائيليّ، لا يستطيع الجيل الثالث (أيْ نحن) توريثها لأبنائنا، وهكذا سنجد أنفسنا قريباً جداً من دون بيوت».
وعن مواجهة القوانين الإسرائيلية، أكد سكسك لـ«الأخبار»، أنهم رغم محاولاتهم، فإن حكومة الاحتلال ترفض، «بل بدأت المحاكم الإسرائيليّة إصدار أوامر الإخلاء». وفي مقابل ذلك، لا توجد أراض للبناء، وأيضاً لا توجد منازل للسكن، ما يعني أن الأزواج الشباب سيضطرون إلى الهجرة القسريّة من المدينة، «وهذا هو الهدف الحقيقي الذي تريده الحكومة الإسرائيلية»، يقول سكسك.
ويسرد أن «الشرطة الخضراء» التابعة لوزارة البيئة حققت معه بصفته مسؤولاً «متولياً» عن مسجد السكسك، وكانت التهمة «ارتفاع صوت الأذان في المسجد أكثر من المسموح به وفق القانون». وقال المحققون له إنّ صوت الأذان غير قانونيّ وإنّه يُزعج الجيران، كما أبلغوه منع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت.
ويشير سكسك إلى أنّ الحكومة الإسرائيليّة تستعين في هجومها بكبار رؤوس الأموال اليهود لشراء منازل وأراضٍ في الأحياء العربية في يافا والمحاذية للبحر، مثل حي العجمي الذي يتعرض لحملة تهويد واسعة، والهدف إقامة مبانٍ كبيرة وجمعيات مستوطنين على أنقاض منازل المواطنين العرب البسيطة وبجانها. وشدد أخيراً على أنّ إسرائيل تركز في مخططاتها على تهويد المدن المختلطة التي يسكنها عرب ويهود.