القاهرة | مثل طلقات ألعاب الهواء، ظهرت واختفت، واختفت وظهرت، كتلة كبيرة من الأحزاب السياسية بعد "ثورة يناير" و"انتفاضة 30 يونيو 2013" التي أسقطت "الإخوان" من السلطة. 84 حزباً سياسياً، تختلف في الاسم فقط، لكن غالبيتها تتفق في أن مقارها (غرفة وصالة أحياناً) لا تعدو أن تكون خرائب، يحرسها بوّاب عمارة، يتأكد يومياً من أن لافتة الحزب لم يأكلها الصدى.
لكن ماذا بعد؟ الجديد أن هذه الأحزاب، تستعد لمعركة مجلس النواب المقبل، وخلفها عبء غياب القواعد الجماهيرية، والبرنامج السياسي (محفوظ في الأدراج)، وانتشاء "فلول مبارك" في القاهرة، والمحافظات. وهؤلاء، على ما يقول لـ"الأخبار" كمال أبو عيطة، وزير العمل السابق، والنائب في برلمان "الإخوان" المُنحل، "سيحصدون غالبية مقاعد مجلس النواب المقبل، هذه الانتخابات ستجري، أغلبيتها بالنظام الفردي، عُدنا إلى زمن مبارك، العائلات والعصبيات الكبيرة، هي جواز المرور إلى المجلس الموقر، ورجال البيزنس طبعاً".
أحزاب مثل الوفد الجديد، والتجمع، والناصري، كانت موجودة حتى قبل حكم الرئيس محمد حسني مبارك، لكنها بقيت حتى الآن تمثل معارضة شكلية، تُجمّل صورة الأنظمة الحاكمة، لا أكثر. ورؤساء هذه الأحزاب، أغلبهم، قريبون من السلطة. من داخل حزب الوفد دُشِّن تحالف انتخابي، اسمه تحالف الوفد المصري، يضم على قوائمه خلطة غير متجانسة من رجال الأعمال وقيادات في الحزب الوطني المنحل (محترفو انتخابات)، وأحزاب مثل الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، المحافظين، والوعي، والإصلاح والتنمية، وبعض ممثلي الأحزاب الصغيرة، التي ظهرت بعد "30 يونيو". وكحال كل تحالف، يقول السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، إنه يطمح إلى أن يحصد الغالبية في مجلس النواب المقبل.
بعيداً عن أحزاب المعارضة القديمة، هناك تحالف انتخابي آخر، هو تحالف الجبهة المصرية، تقوده شخصيات عامة معروفة، مثل عمرو موسى، المرشح الرئاسي الأسبق، ورئيس لجنة الخمسين السابقة، ويشارك فيه حزب التجمع، وفي الظل، يشارك أحمد شفيق، المرشح الرئاسي الأسبق، بحزبه "الحركة الوطنية"، كذلك يشارك عدد من الأحزاب الصغيرة، التي شكلها أنصار مبارك، في العام الأخير تحسباً لمعركة مجلس النواب.
هذا التحالف، مُهدد بالانقسام من داخله، خصوصاً أن الأيام الأخيرة تقول إن هناك اتجاهاً داخل حزب الحركة الوطنية، لتشكيل تحالف يسمى "تحالف شفيق"، يُجهّز لضم أكبر عدد من وجهاء العائلات في الصعيد والوجه البحري، فيما قرر حزب المصريين الأحرار، المدعوم من رجل الأعمال المعروف، نجيب ساويرس، خوض الانتخابات المقبلة منفرداً.
أحزاب المعارضة الصغيرة، هي الأخرى، لا تريد أن تخرج من "الملاكمة" المقبلة، من دون نقاط. فحسب مصادر مطلعة، تقوم هذه الأحزاب الآن، بشراء أسماء سياسية معروفة، للترشح على قوائمها، مقابل تمويل الحملة الانتخابية الخاصة بهذا المرشح، الذي يكون غالباً من عائلة برلمانية قديمة، أو رجل أعمال ساعياً إلى دخول بوابة السياسة والشهرة.
على الناحية الأخرى، شكلت بعض الأحزاب المحسوبة على "ثورة 25 يناير"، مثل أحزاب التحالف الاشتراكي، والاشتراكي المصري، والعمال والفلاحين، والدستور، والكرامة، والتيار الشعبي، والعدل، ومصر الحرية، ما يسمى تحالف التيار الديموقراطي، أو التحالف المدني. وبحسب ما يقول عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الاشتراكي، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: "يسعى هذا التحالف إلى تنفيذ مطالب ثورة يناير، خصوصاً أن مقاطعتنا لهذه الانتخابات تعني فسح الطريق أمام برلمان استبدادي يعادي ثورتي يناير و30 يونيو".
صوت آخر من داخل هذا التحالف ينادي بخوض انتخابات مجلس النواب على المقاعد الفردية وحدها دون القائمة النسبية، فيما يذهب رأي آخر إلى خوضها على القوائم، بدعوى أن المقاعد الفردية تحتاج إنفاقاً مادياً لا يتوافر لدى أحزاب هذا التحالف، الذي يتأذى من انحسار الحياة الحزبية وغياب تأثيره، حتى النظري، بين صفوف العمال والمهمشين.
يتوازى مع هذا المشهد، غياب الأحزاب الدينية عن الصورة، عدا حزب النور السلفي، وهو حزب براغماتي، يناور، منذ عزل الرئيس محمد مرسي، ليكون بديلاً لـ"الإخوان" في الشارع، وهو يستعد للبرلمان المقبل بتحالفات تضم شخصيات لها رمزية انتخابية.