الخرطوم | ارتكبت «قوات الدعم السريع»، أول من أمس، مجزرة في حق سكان قرية ود النورة، غرب مدينة المناقل في ولاية الجزيرة، راح ضحيتها أكثر من مئة شخص. ولليوم الثاني على التوالي، واصلت «الدعم»، أمس، استباحتها للقرية، حيث تمركزت في داخل السوق ومداخل المنطقة، ما أجبر المتبقين هناك من الأهالي إلى النزوح بصورة جماعية إلى المناطق المجاورة، ولا سيما المناقل. وفي التفاصيل، قصفت تلك القوات «ود نورة» بالأسلحة الثقيلة، ليستفيق سكان القرية على أصوات الرصاص المنهمر عليهم من كل الاتجاهات. وبعدما تيقن السكان أن السلاح الذي بحوزتهم لن يصمد كثيراً أمام السلاح الثقيل الذي بحوزة مقاتلي «الدعم»، سارع بعض الناشطين إلى إرسال نداءات استغاثة إلى الجيش، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفك الحصار عنهم، إلا أن استجابة هذا الأخير جاءت متأخرة، على الرغم من وجود حامية له في المناقل تبعد نحو ساعة من «ود النورة». وأعلنت «لجان المقاومة في ود مدني»، في بيان، أن القرية شهدت «إبادة جماعية الأربعاء بعد هجوم ميليشيا الدعم السريع على القرية مرتين»، مشيرة إلى أن «الدعم استخدمت المدافع الثنائية والثقيلة والقصف العنيف في هجومها». كما نشرت لقطات لما قالت إنه «مقبرة جماعية» في الساحة العامة، تظهر صفوفاً من الأكفان البيضاء، فيما وثّق مقاتلو «الدعم» هجومهم على القرية عبر فيديوهات انتشرت على الوسائط المختلفة، أظهرت استخدام الأسلحة الثقيلة. من جهتهم، اعتبر مراقبون ما يحدث في ولاية الجزيرة من تهجير قسري لسكان القرى وقتل لكل من يظهر مقاومة لـ«الدعم»، بمثابة إعادة تشكيل ديموغرافي للمنطقة المعروفة بأراضيها الخصبة، والتي شهدت خلال الفترات الماضية تهجيراً كاملاً لسكان قرى الحوش الواقعة جنوب غرب ولاية الجزيرة، بعد أن قام مقاتلو «الدعم» بنهب الممتلكات وترويع السكان. ولاقت مجزرة ود النورة ردود فعل محلية واسعة؛ إذ دان «مجلس السيادة» الحادثة التي وصفها بـ«الجريمة البشعة»، والتي «تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ارتكبتها هذه الميليشيا المتمردة في العديد من الولايات في السودان»، مشيراً إلى «استهداف المدنيين ونهب ممتلكاتهم وتهجيرهم قسراً من مناطقهم». كما طالب «المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بإدانة الجريمة واستنكارها ومحاسبة مرتكبيها». ورأى «حزب المؤتمر الشعبي»، بدوره، أن «المجزرة المروعة (...) تأتي لإرهاب الشعب حتى تخور إرادته ويستسلم»، فيما استنكر «حزب المؤتمر السوداني» الواقعة، معتبراً أنه «لا بد من إعمال حكم القانون والمثول أمام العدالة» على خلفية جرائم وانتهاكات حرب الـ15 من أبريل.
يرى محللون أن الهجوم على قرى الجزيرة لن يتوقف، نظراً إلى أن «الدعم» تعاني نقصاً في الإمداد العسكري والغذائي


في المقابل، بررت «الدعم» الهجوم الذي شنته على القرية بأنه «هجوم استباقي» على معسكرات الجيش، «رداً على آخر مخطط له» من قبل الأخير. وقالت إنها «تصدّت لقوات من الجيش تم حشدها في ثلاثة معسكرات في قرية ود النورة بغرض الهجوم على قواتها في منطقة جبل أولياء». غير أن الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبدالله، نفى وجود قوات أو قواعد عسكرية في القرية، موضحاً، في تصريحات صحافية، أن جميع القرى في ولاية الجزيرة والتي تعرضت لهجمات «الدعم»، لا يوجد فيها نشاط عسكري. وأضاف أن تلك الجرائم «لن تمر مرور الكرام من دون عقاب وستدفع الميليشيا الثمن غالياً»، حسب تعبيره.
ومنذ أن استباحت «الدعم» قرى الجزيرة، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، ارتكبت الكثير من الفظائع من قتل واغتصاب ونهب وسرقة تحت تهديد السلاح. ومع بطء وصول الجيش إلى تلك القرى، لم يجد المواطنون بداً من التسلح بهدف حماية أنفسهم وممتلكاتهم، غير أن هذا التسلح لم يكن بالحجم الذي يمكّنهم من الصمود أمام كثافة النيران التي توجهها القوى المهاجمة. لا بل إن وجود السلاح لدى المواطنين كان في كثير من الأحيان مبرراً لاستباحة مناطقهم بصورة عنيفة، بذريعة وجود عناصر من «الكيزان» الإسلاميين أو المستنفرين. وفي السياق، يرى محللون أن الهجوم على قرى الجزيرة لن يتوقف، نظراً إلى أن «الدعم» تعاني نقصاً في الإمداد العسكري والغذائي وأنها أصبحت تعتمد على الاحتياطي الموجود داخل القرى لسد النقص من غذاء ومركبات. ويرى المحلل السياسي عمار الباقر أن «الدعم السريع حاولت تأمين خط إمداد عبر ولاية النيل الأبيض أو منطقة جبل أولياء لكن نسبةً إلى الخلل في القيادة وإمكانية السيطرة على القوات، فإن ذلك المسعى لن ينجح، لذلك سوف تستمر في الاعتماد على المواطن لسد النقص في الإمداد». ويضيف الباقر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «اعتماد السكان على الجيش في الدفاع عنهم لن ينفع إن لم يضر بمجهوداتهم الدفاعية، لأن الجيش يسلح المواطنين بأسلحة خفيفة لن تتمكن من حسم المعركة». ويوضح أنه «إذا أراد الجيش مساعدة السكان للدفاع عن أنفسهم فهناك أشكال تسليح وتدريب مختلفة عما يقوم به حالياً». ودعا الباقر مواطني الجزيرة إلى «تجنب المواجهة المباشرة مع القوات المهاجمة والالتحام معها، والاعتماد على أسلوب الكر والفر والضربات الخاطفة على الطرق، قبل وصول الميليشيا إلى المدن والقرى، من أجل تعطيل حركتها بين القرى وجعلها أمراً عسيراً ومكلفاً».