الخرطوم | منذ أن أُعلن الاتفاق على منح روسيا نقطة تزود على المياه الإقليمية السودانية في البحر الأحمر، ارتفعت الأصوات الآتية من الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، والمطالبة بالعودة السريعة إلى مسار التفاوض في جدة. غير أن هذه الدعوة سرعان ما لاقت رفضاً من «المجلس السيادي» برئاسة عبد الفتاح البرهان، إذ أعلن نائب رئيس المجلس، مالك عقار، «(أننا) لن نذهب إلى جدة، ومن يريد ذلك عليه أن يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة». وأتت الدعوة الأميركية في خلال مباحثات هاتفية أجراها وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مع البرهان، وتناولت، وفقاً للخارجية الأميركية، سبل «إنهاء الصراع في السودان على وجه السرعة، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق عبر الحدود وخطوط المواجهة، من أجل تخفيف معاناة الشعب». والجدير ذكره، هنا، أن الإدارة الأميركية تعاملت مع الملف السوداني، منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، قبل حوالي 14 شهراً، بقلّة اكتراث، مكتفية في معظم الأوقات بعبارات الإدانة والشجب وفرض عقوبات على شخصيات من الطرفين، ترى أنها فاعلة في الصراع الدائر. والظاهر أن اتجاه البرهان نحو تعزيز علاقات مجلسه مع كل من إيران وروسيا والصين، يقف وراء الضغوط الأميركية المفاجئة عليه للعودة إلى المفاوضات. كما أنه مع اقتراب الانتخابات الأميركية، «يخشى الديموقراطيون دخول الانتخابات بلا رصيد في تسوية الملفات الدولية والإقليمية الساخنة ومنها الحرب في السودان» وفقاً للسفير السابق العبيد مروح، الذي يعتقد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «السودان، من خلال تطوير علاقاته مع المحور الروسي - الإيراني، سيحقق الكثير من المكاسب الديبلوماسية والمناصرة على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية».
في المقابل، عارضت بعض القوى السياسية موافقة الحكومة القائمة على منح روسيا قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، على اعتبار أن تلك الحكومة «فاقدة للشرعية». وعلى رأس هذه القوى «حزب المؤتمر السوداني» الذي أصدر بياناً رأى فيه أن «حكومة بورتسودان لا تملك الحق في تنفيذ اتفاقيات تخصّ جمهورية السودان لأنها حكومة غير شرعية وفرضت نفسها بالقوة على الشعب عبر انقلاب عسكري في الـ 25 من أكتوبر 2021». ولفت إلى أن «المضيّ في إنشاء قاعدة عسكرية روسية يتنافى مع القواعد الأساسية للقانون الدولي، ويقوّض سيادة السودان على أراضيه، ويزجّ به في أتون صراع دولي لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب وتحويلها تدريجياً إلى حرب بالوكالة».
تجيء الدعوة الأميركية لاستئناف التفاوض في وقت يشهد فيه الميدان تقدماً للجيش


وتجيء الدعوة الأميركية لاستئناف التفاوض في وقت يشهد فيه الميدان تقدماً للجيش، حيث تمكّن الأخير، مطلع الأسبوع، من عبور جسر الحلفايا الرابط بين مدينتَي أمّ درمان والخرطوم بحري، في عملية وصفها بيان المتحدث باسمه بـ«النوعية»، نظراً إلى تمكّن قواته من خلالها من «الوصول إلى عمق العدوّ في منطقتَي بحري والحلفايا»، بحسب ما أورده البيان. أيضاً، شن سلاح الطيران العديد من الضربات الجوية على مواقع «الدعم السريع» في مصفاة الجيلي، وعدد من المناطق في ولايات الجزيرة ودارفور والنيل الأبيض. وفي هذا السياق، ادّعى عضو مجلس السيادة، ياسر العطا، أنه تم ضرب الكتلة الصلبة لقوات «الدعم»، متوعداً الأخيرة، لدى مخاطبة جنود منطقة كرري العسكرية، بأن «الضربة القادمة ستكون قوية وعنيفة في مكان لا تتوقعه».
ومنذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ورغم تمكّن «الدعم السريع» من بسط سيطرتها على مدينة ود مدني وسط البلاد ومعظم قرى ولاية الجزيرة، إلا أنها لا تزال قاصرة عن حسم المعارك في محاور الفاو وسنار والفاشر، الأمر الذي اعتبره محلّلون دليلاً على تراجع قدراتها، وخصوصاً في ظل الغارات الجوية التي استهدفت أرتال السيارات المحملة بالذخائر والأسلحة على الحدود الغربية للبلاد. ويلفت الخبير الاستراتيجي، اللواء المتقاعد في الجيش أسامة محمد أحمد، إلى أن «القراءات العسكرية توضح وجود ضعف كبير في ميزان القوة»، مشيراً إلى «تمسك قوات الجيش بمواقعها العسكرية في سلاح الإشارة ومدن الأبيض وبابنوسة والفاشر، والتي لا يزال البعض منها يشهد معارك متواصلة بين الجانبين». ويتابع، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الجيش نجح، من خلال الخطط العسكرية التي انتهجها، في إدارة حرب الاستنزاف وحرب المدن»، معرباً عن اعتقاده بأن «التقارب مع إيران ساهم في توفير الدعم العسكري واللوجيستي النوعي للجيش»، متوقعاً، في الوقت نفسه، أن «يُسهم التقارب مع موسكو في توفير دعم عسكري مماثل له».
وفي ظل استمرار العمليات القتالية بين الجانبين، أطلقت اللجنة الدائمة لوكالات الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية بياناً مشتركاً، حذّرت من خلاله من نفاد الوقت بالنسبة إلى ملايين السودانيين الذين يواجهون خطر المجاعة. وأشار البيان إلى معاناة 3.6 ملايين طفل من سوء التغذية الحاد، في الوقت الذي تقترب فيه المجاعة بسرعة من ملايين الأشخاص في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم.