أنفقت قوى السلطة 40 مليار دولار على إرساء التكيّف بدلاً من توزيع الخسائر وإطلاق الاقتصاد لتحقيق مقوّمات الصمود
أيّ حرب ستضع ضغطاً هائلاً على الخدمات العامة المتهالكة أصلاً. الكهرباء مثلاً. فهل ناقش ميقاتي أو أيّ من القوى السياسية زيادة ساعات التغذية مثلاً. وزير الطاقة وليد فياض وحده يحاول القيام بذلك، وهم يحاولون منعه، فكيف إذا أصبح الثقل الاستهلاكي متركّزاً في مناطق محدّدة من بيروت وجبل لبنان؟ وهل ناقش ميقاتي أو أيّ من قوى السلطة كيفية التعامل اليومي مع النفايات التي سيخلّفها التركّز السكاني الناتج من النزوح؟ هل ناقش ميقاتي أو أيّ من قوى السلطة مصير البطالة المتزايدة أصلاً بفعل الأزمة المصرفية والنقدية؟
في هذا السياق، يصبح جزء أساسيّ من مقوّمات الصمود ملقى على عاتق الأفراد بشكل أساسي، وبالتالي سيتحتّم على المغتربين تمويل ذويهم بدولارات أكثر. ثم سيكون هناك دور أساسيّ لـ«المزاريب الخارجية»، أي ما يسمّى مساعدات من دول عربية وأجنبية ومنظمات دولية. هذه الدول والمنظمات هي انتهازية أصلاً، وستعمل على فرض شروطها على لبنان مقابل «المساعدة»، كما أنه لا شيء يمنع من تقنين مساعداتها اللاحقة للحرب ربطاً بهذه الشروط. وسيترتّب على قوى السلطة الانسجام مع متطلّبات الجهات المانحة والتخلّي عن حصّتها في الزبائنية لجهات خارجية أو على الأقل مشاركتها في هذه الحصّة. وانعكاس ذلك على موازين القوى المحلية سيكون واضحاً، إذ سيزداد الشعور بالغبن لدى الفئات التي لديها تمويل خارجيّ أقل من غيرها أو تلك التي ليس لديها وصول إلى التمويل الخارجي.
إذاً، ما الهدف من خطّة الطوارئ والاستعدادات التي تقوم بها قوى السلطة طالما أنها مفلسة مادياً ومنقسمة سياسياً؟ حتى الآن، لا يبدو أن قوى السلطة لديها جدول أعمال منفصل عن الإنكار الذي مارسته تجاه الأزمة المصرفية والنقدية. فمنذ أربع سنوات، تتموضع هذه القوى في زوايا التراشق حول التعامل مع الأزمة من دون أيّ تقدّم. أطلقت شعارات مثل «الودائع مقدّسة» وبنت عليها أوهاماً لإرساء قواعد التكيّف وتنظيم فترة الانتظار، وتكبّدت في المقابل نحو 40 مليار دولار، نصفها من السيولة الاحتياطية لدى مصرف لبنان ونصفها الآخر من السيولة المتدفقة إلى لبنان. إنكار حقيقة عجزها عن مواجهة توزيع خسائر الأزمة المصرفية والنقدية، موازٍ لإنكار حقيقة عجزها عن مواجهة أيّ طارئ مثل الحرب. لذا يعمد ممثلو السلطة إلى ملء الفراغ بالاجتماعات المناسبة التي يقولون فيها إنهم يُعِدّون خططاً وقائية، ويختمون اجتماعاتهم بالتعبير الضمني عن مجموع عجوزاتهم بالإشارة إلى أنهم يطلبون من أصدقاء لبنان منع انخراط حزب الله في الحرب. تهريب طائرات الميدل إيست، أو تأمين مخزون من الأدوية والمستلزمات الطبية، أو الوقوف على حجم مخزون المواد الغذائية ليس «خطّة وقائية» كما وصفها ميقاتي. أصلاً، هذه التدابير هي للتعامل مع مجريات الحرب ونتائجها، وليس للوقاية منها. العجز الأكبر سيكون في التموضع السياسي لهذه القوى أثناء الحرب وبعدها، وأيضاً في مرحلة ما بعد الحرب حين تظهر استحقاقات الأكلاف المادية المباشرة والأكلاف الاقتصادية والاجتماعية. هذه السلطة بدّدت 40 مليار دولار خلال أربع سنوات من دون أفق لأيّ علاج، بينما إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية لم تكلّف سوى 7 مليارات دولار. هذه السلطة مفلسة وتملأ الفراغ بالاجتماعات المناسبة فقط.