الخرطوم | لم تُفلح جهود الوساطة السعودية - الأميركية لحلّ الأزمة السودانية، في تخفيف حدّة الاشتباكات المستمرّة في أنحاء متفرّقة من الخرطوم، وتحديداً في محيط القصر الجمهوري والقيادة العامة ووسط العاصمة، بالإضافة إلى أحياء في مدينة الخرطوم بحري ومنطقة الفتيحاب في مدينة أم درمان. وإذ لا يزال اللاحسم هو المسيطر على الميدان، تتزايد داخل المؤسّسة العسكرية الأصوات المطالبة بالحسم مهما كانت الخسائر، وهو ما تحاول قيادة الجيش التعامل معه بمواصلة القصف الجوّي لمواقع قوات «الدعم السريع» في محيط المواقع الاستراتيجية في المدن الثلاث، والذي أدّى إلى تدمير العديد من المباني السكنية القريبة منها. وعلى رغم أن فاعلية هذه الضربات تبدو محدودةً إلى الآن، فقد أكد قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ألّا حديث عن وقف لإطلاق النار قبل خروج «المتمرّدين» من عناصر قوات «الدعم السريع» من الأحياء ومراكز الخدمات وإخلائهم العاصمة.وبالتزامن مع تواصل المعارك بين الطرفَين، تستمرّ عمليات السلب والنهب والفوضى في الاستشراء في العاصمة التي أضحت شبه خالية إلّا من الميليشيات التي استباحت المحالّ التجارية والأسواق الرئيسة والبنوك ومساكن المواطنين.
وبحسب شهود عيان، فإن هذه العمليات تتمّ في وضح النهار، باستخدام الأسلحة والآلات الحادّة في كسر أقفال المحالّ، فيما وثّقت كاميرات المراقبة العديد من حوادث السرقة لأماكن بيع «الموبايلات» والذهب والمواد التموينية، والتي أصبحت هدفاً لتشكيلات من «الدعم السريع» انقطع عنها التموين وباتت تبحث عن مصادر للغذاء. وبدا عبد الناصر محمد متماسكاً عندما علم بسرقة محلّه في ضاحية الطائف شرق الخرطوم، على رغم أن السرقة طالت الأشياء العينية، إضافة إلى مبلغ من المال قُدّر بـ8 آلاف دولار، هو رأس المال الذي يحرّك به تجارته منذ سنوات عدّة.
تعرّضت المخازن الكبيرة والمصانع لعمليات نهب وسرقة ممنهجة


ولم تقتصر أعمال النهب على المحالّ التجارية والمساكن، بل طالت أيضاً المخازن الكبيرة والمصانع، خاصة المنطقة الصناعية التي تتجمّع فيها معظم مصانع المواد الغذائية في ولاية الخرطوم. وبحسب المعطيات، فإن السرقات في هذه المنطقة تبدأ بهجوم مجموعات كبيرة تصعب السيطرة عليها من قِبَل حرّاس تلك المصانع والمخازن، ليتدحرج الأمر سريعاً إلى وقائع نهب واسعة لا تستثني حتى الأثاث المكتبي الخاصة بالمرافق المستهدَفة. ووفق شاهد عيان تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «من يقومون بهذه السرقات هم مواطنون عاديون وليسوا من أصحاب السوابق». ويقول: «شاهدت أفواجاً من البشر بعد أن نهبوا أحد المصانع، وهم يحملون كلّ ما تمكّنوا من حمله من مواد غذائية وصولاً إلى مكيّفات الهواء وآلات الرفع الخاصة برفع البضائع».
ويعزو مراقبون جانباً من حالة الفوضى هذه، إلى نقمة الفقراء ضدّ الأغنياء من أصحاب المصانع، والتي تأتي كنتيجة طبيعية للأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد طيلة السنوات العشر الأخيرة، واضطرار أعداد كبيرة للنزوح من الولايات إلى العاصمة بحثاً عن فرص العمل. ولعلّ ما يعزّز ذلك التقدير، أن الجماعات التي قامت بسرقة مخازن المواد الغذائية، تنتمي إلى مناطق طرفية في الخرطوم، تسكنها جماعات نزحت قبل أعوام من الأقاليم. لكن ما يبدو مستغرَباً هو عمليات الحرق التي طالت عدداً كبيراً من المصانع عقب نهبها، وأدّت إلى خسائر فادحة بدا معها وكأن هذا الفعل ممنهج ومتعمّد، والقصد منه تدمير البنى التحتية للبلاد وإدخالها في حالة الفوضى، حتى لا يتمكّن المواطنون من العودة إلى حياتهم الطبيعية في القريب العاجل بعد وقف عمليات الاقتتال.
ولم تسلم من السرقة حتى البنوك؛ إذ أُحرق عدد من أفرعها في مدن الخرطوم الثلاث، بينما شوهد مواطنون يتسابقون نحو مقارّها، ويخرجون منها حاملين رزماً من النقود، من دون أن يتمكّن أيّ شخص من إيقاف هذا الانفلات. ونتيجة لذلك، عمّت حال من الهلع أوساط المودعين لدى البنوك التي تَعرّضت بعض فروعها للسرقة، خشية تسريب المعلومات المالية الخاصة بهم. لكن «بنك السودان المركزي» طمأن عملاء المصارف إلى أن أرصدتهم ومعلوماتهم المالية محفوظة، كما طمأن «اتحاد المصارف» العملاء إلى أن البنوك تسعى إلى استعادة خدماتها في جميع الولايات وفي ولاية الخرطوم في حال كانت الظروف مواتية. ودعا الاتحاد، جهات الاختصاص، إلى بذل ما يلزم لحماية فروع البنوك في ولاية الخرطوم والولايات، حتى تُواصل دورها في خدمة الزبائن.