غزة | بعد قرابة 36 ساعة من الانتظار، ردّت المقاومة الفلسطينية، في سياق معركة أَطلقت عليها اسم «ثأر الأحرار»، على اغتيال ثلاثة من قادة «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، على يد العدو، مطلقةً مئات الصواريخ تجاه مستوطنات «غلاف غزة» والمدن القريبة من القطاع، وصولاً إلى شمال مدينة تل أبيب بقطر 90 كيلومتراً، فيما فشلت «القبة الحديدة» في اعتراض الصواريخ، ممّا أدّى إلى أضرار مادية وإصابات في صفوف المستوطنين. وقبيل ظهيرة يوم أمس، وفي إطار سعيها إلى استدراج ردّ سريع من المقاومة، جدّدت قوات الاحتلال قصف غزة، مستهدفةً عدداً من المزارعين والأراضي الزراعية، وهو ما أدّى إلى استشهاد شابين فلسطينيَّين شرق مدينة خانيونس، وآخرَين في مدينة رفح. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 22، بينهم خمسة أطفال وخمس نساء. ولفتت إلى وصول شهيدة و10 إصابات إلى «مجمع الشفاء الطبي» في المدينة، ليرتفع عدد شهداء الأربعاء إلى سبعة. ومن جهتها، زفّت «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى»، الجناح العسكري لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، ثلّة من مقاتليها في الوحدتَين الصاروخية والمدفعية، ارتقوا شهداء خلال معركة «ثأر الأحرار»، هم: محمد يوسف أبو طعيمة (خانيونس)، علاء ماهر أبو طعيمة (خانيونس)، أيمن كرم صيدم (رفح)، علم سمير عبد العزيز (رفح).

وفي سياق الردّ على جريمة الاغتيال، أطلقت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة تسمية «ثأر الأحرار» على عمليتها التي «تمثّلت في توجيه ضربة صاروخية كبيرة استهدفت مواقع ومغتصبات وأهداف العدو». ورسمت الغرفة خطاً أحمر أمام قوات الاحتلال، إذ قالت إن «استهداف المنازل المدنية والتغوّل على أبناء شعبنا واغتيال رجالنا وأبطالنا هو خطٌ أحمر»، مضيفةً أن «عدوان الاحتلال سيواجَه بكلّ قوّة وسيدفع العدو ثمنه غالياً». كما أكدت أن «المقاومة جاهزة لكلّ الخيارات»، محذّرةً العدو من «التمادي في عدوانه وعنجهيته»، ومن أيام سوداء تنتظره، متابعةً أن «المقاومة ستبقى في كل جبهات الوطن وحدة واحدة وسيفاً ودرعاً لشعبنا وأرضنا ومقدساتنا». وفي الوقت الذي عطّلت فيه صواريخ المقاومة الطيران في مطار «بن غوريون» كلياً، أعلن جيش الاحتلال استخدام منظومة «مقلاع داوود» للتصدّي لأحد الصواريخ التي استهدفت تل أبيب عصر أمس، بعد فشل «القبة الحديدية» في عملية التصدّي. ونظراً إلى كون الصاروخ كان متّجهاً ناحية منطقة مأهولة في المدينة، تمّ استخدام هذه المنظومة على الرغم من أنها مخصّصة لاعتراض الصواريخ التي يزيد مداها على 200 كيلومتر، بينما ذكرت مصادر إسرائيلية مقرّبة من الجيش، أن الأخير يفحص ما إذا كان أحد الصواريخ الذي أطلق هو من طراز «خيبر» إيراني الصنع، علماً أن تكلفة اعتراضه عبر «مقلاع داوود» تبلغ قرابة مليون دولار. وبحسب مصادر عبرية، فإن الرشقات الصاروخية التي قُدّرت بأكثر من 70 صاروخاً، وأُطلقت الساعة التاسعة مساءً، تسبّبت بأضرار كبيرة وواسعة لدى الاحتلال، إضافة إلى إصابة 17 مستوطناً، بعضهم حالته خطيرة نتيجة تساقط الصواريخ على مستوطنة سديروت ومدينة عسقلان.
تكثّفت الجهود المصرية والقطرية لوقف التصعيد القائم


وعلمت «الأخبار» من مصادر في المقاومة الفلسطينية، أن الردّ لم يكن منفرداً، بل أتى بالتوافق بين مختلف الفصائل المنضوية في إطار الغرفة المشتركة. وأشارت المصادر إلى أن الاحتلال يحاول جاهداً بثّ حالة من الخلافات بين حركتَي «حماس» و«الجهاد»، من خلال الادّعاء بأن الأولى لم تشارك في عملية الردّ. وفي هذا الإطار، قالت حركة «حماس» على لسان الناطق باسمها، عبد اللطيف القانوع، إن ضربات المقاومة الموحّدة «جزء من عملية الردّ على المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني، وتأتي في إطار دفاعها عن شعبنا الفلسطيني»، محمّلاً العدو «تبعات توسيع عدوانه لأنه سيدفع ثمن حماقته، وعدوانه المتواصل سيفجّر المنطقة ويقود جيشه إلى الجحيم». وكان جيش الاحتلال أعلن أن فصائل المقاومة أطلقت أكثر من 300 صاروخ تجاه مستوطنات «الغلاف» ومدن الوسط، فيما أكدت مصادر في المقاومة، لـ«الأخبار»، أنه تمّ استهداف مناطق مختلفة من تل أبيب وغوش دان وبيت شيمش في منطقة المركز بعشرات الصواريخ، وأن عدداً من هذه الرشقات حقّقت أهدافها وأصابت مناطق مأهولة، فيما منظومة «القبة الحديدية» فشلت في تحييد جميع الصواريخ التي أطلقت على تل أبيب. وفي ساعات المساء، أطلقت المقاومة، وحتى الساعة العاشرة مساءً، أكثر من 200 صاروخ تجاه مستوطنات «الغلاف» وتل أبيب وبئر السبع، ممّا أوقع عدداً من الإصابات في صفوف المستوطنين. وأظهرت مقاطع فيديو منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، لحظة هروب وزيرة اتصالات الاحتلال إلى الملجأ، خوفاً من القصف، فيما انتشرت حالة من الرعب والهلع في صفوف المستوطنين.
وعن مباحثات التهدئة، علمت «الأخبار» من مصادر في المقاومة أن الجهود الديبلوماسية تكثّفت أمس، من جانب القاهرة والدوحة مع حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من جهة، ومع دولة الاحتلال من جهة أخرى. وقد قدّم المصريون رؤية للفصائل لإنهاء المواجهة الحالية ووقف متبادل لإطلاق النار، إلّا أن المقاومة رفضت هذا العرض طالما أنه لا يتضمّن تعهداً إسرائيلياً بوقف سياسة الاغتيالات في غزة والضفة، ووقف المخطّطات التي يريد الاحتلال تمريرها في مدينة القدس المحتلّة، وإلغاء مسيرة الأعلام، وإعادة جثمان الشهيد خضر عدنان. وفي الإطار نفسه، أعلنت «الجهاد» أنها ما زالت في صدد الردّ على جريمة اغتيال ثلاثة من كبار قادتها العسكريين، وأنه في حال لم يوافق الاحتلال على شروط المقاومة، فإنها ستواصل قصف مدن المركز إضافة إلى توسيع مديات الصواريخ. وبعد رفض الحركة مبدأ الوقف المتبادل لإطلاق النار، عاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى التلويح بتوسيع العملية العسكرية في غزة، وشنّ حملة موسّعة وضربات عنيفة ضد قطاع غزة، مؤكداً استمرار المعركة مع المقاومة. كما عمد الاحتلال إلى تكثيف غاراته، مستهدفاً العشرات من الأراضي الزراعية، إلا أن التطوّر الأبرز في ضغطه الميداني، تمثّل في ضرب منزل لعائلة فلسطينية شرق مدينة خانيونس، وآخر لعائلة ثانية في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. وفي أعقاب هذا التطور، حذرت «الجهاد» من أن سياسة قصف المنازل سيتمّ مقابلها تكثيف قصف تل أبيب والعمق الإسرائيلي.