شنّ مقاتلو «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) حملة واسعة في ريف إدلب، تركّزت في منطقة جبل الزاوية تحديداً، ضدّ «فيلق الشام» المرتبط بجماعة «الإخوان المسلمون»، حيث قامت «الهيئة» بطرد مقاتلي «الفيلق» والسيطرة على مقارّهم. أتى ذلك بعد أيام قليلة من وساطة تركية في ريف حلب الشمالي أوقفت اقتتالاً افتعلته فصائل محسوبة على «الهيئة» التي يقودها رجُل «القاعدة» السابق أبو محمد الجولاني، ضمن محاولة لمدّ نفوذه على مناطق استراتيجية؛ من بينها أعزاز للوصول إلى معبر باب السلامة مع تركيا، وجرابلس للسيطرة على المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة الفصائل ومناطق سيطرة «قسد».مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار»، أوضحت أن التحرّك الذي نفّذته «الهيئة» كان مباغتاً، وهو يناقض اتّفاقاً سابقاً يحصّن مواقع سيطرة مقاتلي «الفيلق» ما لم يخرق هؤلاء الحالة القائمة عبر شنّ هجمات غير متّفَق عليها على مواقع سيطرة الجيش السوري. وبيّنت المصادر أن الحملة التي استمرّت بضع ساعات انتهت بتسليم مقاتلي «الفيلق» مقارّهم من دون أيّ مقاومة، باستثناء بعض المحاولات الفردية التي قوبلت بعنف مفرط من جماعة الجولاني، تبعه اقتياد عدد من عناصر «الفيلق» إلى منطقة مجهولة.
العملية المستعجلة هذه، والتي انتهت بسيطرة «تحرير الشام» على بلدة البارة في جبل الزاوية قرب طريقَي حلب – اللاذقية (M4)، و حلب – دمشق (M5)، تأتي بعد أيام قليلة من عملية إعادة انتشار نفّذتها القوات التركية المتمركزة في عشرات نقاط المراقبة في ريف إدلب، إثر استقدامها تعزيزات عسكرية جديدة عبر الحدود. كما تجيء وسط حديث يدور في الأوساط «الجهادية» عن استعدادات تنفّذها «الهيئة» للمرحلة المقبلة، التي قد تتخلّلها ضغوط تركية للانسحاب من مناطق في إدلب، فيما تُطرح أسئلة حول الدور الذي سيلعبه «فيلق الشام» في المرحلة المقبلة. وفي مقابل تلك الشكوك والأسئلة، يلزم الجانب التركي الصمت هذه الفترة، وفق مصادر معارضة تحدّثت إلى «الأخبار»، مشيرةً إلى أن مسؤولي الارتباط الأتراك رفضوا إعطاء إجابة قاطعة حول نتائج المباحثات السورية - التركية في إطار «الرباعية»، وتأثيرها على الأرض، باستثناء استمرار الحديث عن أن العملية التركية ضدّ «قسد» ما زالت قائمة.
العملية المستعجلة التي شنّها مقاتلو «الهيئة» ضد «الفيلق» تأتي بعد أيام قليلة من عملية إعادة انتشار نفّذتها القوات التركية في ريف إدلب


وبالتوازي مع ذلك، تابعت تركيا عمليات تقليص الكتل المالية المرسَلة إلى الفصائل التي تقاتل تحت إمرتها في الشمال السوري، الأمر الذي أدّى إلى تأخير رواتب أكثر من نصف المقاتلين، في وقت قبض فيه النصف الآخر قسماً من الرواتب المتأخّرة، وفق ما أفادت مصادر معارضة «الأخبار». وكشفت المصادر أن تركيا أبلغت الفصائل قبل بضعة أشهر بضرورة التوحّد ضمن هيكلية مؤسّساتية واضحة تعمل بشكل تدريجي لتوفير تمويل ذاتي عبر ما تدرّه المعابر، بالإضافة إلى مصادر دخل أخرى توفّرها سيطرة هذه الجماعات على الأرض، أسوة بـ«هيئة تحرير الشام» المستقلّة مالياً، والتي تراها أنقرة مثالاً للعمل الذي يجب أن تقوم به الفصائل في الشمال السوري، مع الأخذ بالحسبان الأعباء المالية المترتّبة على تركيا في حال مشاركة العناصر الموالية لها في أيّ معارك مستقبلية.
وعلى الرغم من الضغوط التركية المستمرّة، لم تنجح الفصائل حتى الآن في وضع هيكلية مالية واضحة تضْمن استمرار تدفّق مرتّبات المقاتلين، الأمر الذي أفسح المجال لـ«هيئة تحرير الشام» لزيادة نفوذها في ريف حلب، عبر إنشاء شبكة تحالفات واسعة مقرونة بدعم بالمال والسلاح لتلك الفصائل. ومهّد كلّ ذلك الأرض بشكل كبير لـ«الهيئة» لقضم ريف حلب في أيّ وقت، وسط حالة تردّد تركية في اتّخاذ موقف واضح حيال هذا التوسّع، وشكوك متزايدة في وجود رغبة تركية في تحويل الجولاني إلى ريف حلب كبديل من إدلب التي تضمّ معبر باب الهوى، أكبر المعابر الحدودية مع تركيا، وطريق «الترانزيت» الذي تعدّه أنقرة ورقة اقتصادية بيدها خلال مباحثاتها مع دمشق.