رام الله|اليوم الثامن بعد بدء أوّل جولة للمفاوضات التي مُدّدت لثلاثة أيّام مرة ثانية. سمعنا قبل هذا التمديد خطاب القائد العام لكتائب القسّام، محمد الضيف، عندما حدد شروطهم في الجناح العسكري ببندين أساسيين، الأول رفع الحصار، وقيل دون ذكر تفاصيل مع العلم بأنه غير مطلوب منه الحديث عن تفاصيل بصفته العسكرية، والثاني كان تأكيده أن المقاومة لن تقبل الحلول المؤقتة.
بين الهدنتين زاد على الخطاب بيان متلفز آخر للمتحدث باسم الكتائب (أبو عبيدة)، وأعطى فيه شيئاً من التفصيل تحت عنوان «الحياة الكريمة»، لكنه ركّز على رفع الحصار، وإنشاء ميناء لقطاع غزّة.
في الحديث عن «حياة كريمة» لا يمكننا اختصار المطالب بالميناء على أهميته. دعونا نلق نظرة على أهم ما يُعاني منه القطاع، خاصة أن هناك مشكلات قد تؤدي به إلى حالة موت سريري مع تأخير البدء الفعلي بحلّها. لقد نشرت وكالة الأونروا قبل عامين (آب 2012) تقريراً بعنوان «غزة في 2020: مكان ملائم للعيش؟»، ويلخص التقرير الاتجاهات في غزة، مبيّناً أن عدد السكان في قطاع غزة سيزيد نصف مليون نسمة بحلول 2020، ما يعني كثافة سكانية هي 5,800 نسمة للكيلومتر المربع الواحد!
أيضاً البنية التحتية (الكهرباء والمياه والصرف الصحي) لا تواكب احتياجات السكان المتزايدين. ومن ضمن هذه البنية المدارس التي كانت وقت صدور التقرير أكثر من 400 مدرسة قبل تدمير 188 خلال الحرب الجارية، إضافة إلى تدمير نصف عدد المستشفيات العاملة في قطاع غزة وثماني محطات لضخ المياه، وغيرها من الأرقام المذهلة عن حجم الدمار والنازحين.
وفي الحرب دمّر العدو ما يزيد على 25% من البنية التحتية، ما يعطي إنذاراً عاجلاً بكارثة حتّى بعد انتهاء الحرب بسنوات. كذلك تفيد التقديرات الأوليّة بأنّ خسائر الاقتصاد الفلسطيني تصل إلى أكثر من 4 مليارات دولار أميركي، نعلم جميعنا أنها لن تُدفع بلا مُقابل.
ننتظر الآن التقرير الجديد لـ«الأونروا»، خاصة بعد أزمة مياه البحر الملوثة التي ظهرت قبل الحرب واضطرت الحكومة آنذاك إلى منع ارتياد البحر على السكان كافة، واليوم هم لا يملكون مياهاً جوفية رغم أن الشتاء الماضي كان الأكثر غزارة منذ سنوات، لكن مخزون غزّة من تلك المياه غير صالح للشرب بعد تسلل المياه العادمة إليه واستمرار السرقة الإسرائيلية، مع العلم بأن نحو 95% من مياه الشرب في القطاع لا تطابق معايير منظمة الصحة العالمية التي وضعتها لمعدلات الشرب.
ما يزيد بلاء الناس 26 بئراً حفرتها إسرائيل على طول الشريط الحدودي مع القطاع لسرقة مياهه، رغم وجود نص صريح في اتفاق «غزة ــ أريحا» ينص على احترام سلطة الفلسطينيين على مياههم، أي إنه في أي حرب مقبلة علينا توجيه صواريخنا إلى تلك الآبار الاحتلاليّة قبل أي شيء، لأنه لا يختلف خبيران على أن المنطقة كلها، خاصة فلسطين، مقبلة على أزمة مياه.
يأتي هذا كله فيما تتوارد الأخبار، التي لم تعد سرّاً، عن وجود حقل للغاز الطبيعي قرب شواطئ غزة قادر على حل مشكلة الطاقة في القطاع إن لم يكن أكثر. كيف لم يستحضر الوفد الفلسطيني هاتين القضيتين: الغاز والماء. وإن كانت الأخيرة قد ذكرت في «جملة فضفاضة» داخل المطالب.
وصل كبير المفاوضين الفلسطينيين وصاحب كتاب «الحياة مفاوضات» إلى القاهرة بعد ستة أيام من مباحثات لم تفض إلى شيء حتى كتابة النص. من المؤكد أن صائب عريقات لم يقرر الذهاب إلى هناك وحده، بل اصطحب معه حقيبته المليئة بالاتفاقات والمعاهدات المبرمة مع الاحتلال، وأولاها معاهدة أوسلو التي نصّت بكل وضوح على إنشاء مطار جوي ومرفأ بحري في قطاع غزة.
ولمن يجهل قضية المطار، فإنه اتفق عليه في معاهدة القاهرة عام 1994، وبُني وبدأ تشغيله فعلياً في نوفمبر 1998، ثم تم تدميره على عدة مراحل مع بدء الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية.
كذلك تم الاتفاق على بناء مرفأ بحري في اتفاق أوسلو عام 1993 ومباحثات شرم الشيخ عام 1999، لكن العمل توقف فيه مع أحداث الانتفاضة الثانية أيضاً ونتيجة أسباب داخلية لدى السلطة.
نتوجه اليوم للتفاوض على ما تم الاتفاق عليه مسبقاً. هذا ما نقرأه الآن على الأقل، وهذا يفسر وصول عريقات إلى العاصمة المصرية بعيداً عن الوفد.
وعلينا أن نتنبه إلى أن من غير الممكن أن توقع إسرائيل اتفاقاً جديداً يخص المعابر وهي قد فعلت هذا سابقاً، أي إنها لو أبدت استعدادها لقبول شروط المقاومة فسيكون ذلك عبر شريكها في تلك الاتفاقات، أي السلطة الفلسطينية.
بالضبط هذه النقطة تحدثت عنها صحيفة «جيروزاليم بوست» قبل يومين عندما قالت إن هناك شبه اتفاق على أن تتسلم السلطة مسؤولية الحركة في معابر قطاع غزّة، على أن يستمر التفاوض على ميناء غزّة في مرحلة لاحقة، مع إعطاء الموافقة المبدئيّة على إنشائه، فيما ترتبط «حماس» بورقة تُلزم السلطة بتحقيق إنجاز سريع في هذا الملف ويشهد عليها الوسيط المصري.
هذا الأمر ليس مستبعداً أبداً لو اعتبرنا أن المكسب الأهم للحركة في هذه الحرب هو الانتخابات المقبلة التي لم يتحدث عنها الطرفان المتصالحان (فتح وحماس) بسبب الحرب، كما أنّ تسليم الأمور كلها في مرحلة (ما بعد الحرب) لحكومة التوافق هو في مصلحتها ويُخرجها من أي إحراجات لاحقة بطريقة أو أخرى.
يبقى أن نتذكر أنّ الاحتلال لم يلتزم بعدد كبير من اتفاقاته المبرمة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، مع علم الإسرائيليين بأنّهم هذه المرّة يعقدون اتفاقاً بلا تنازلات، لأن رفض تحقيق المطالب يعني، بكل بساطة، عودة سقوط الصواريخ على تل أبيب.