على هذا النحو، أدّى قرار واشنطن الامتناع عن الانجرار إلى مواجهة عسكرية مع طهران، إلى شعور لدى الحلفاء الخليجيين المتحمّسين لتغيير النظام في إيران باليأس والإحباط، فلم يكن من الأخيرين إلّا المسارعة إلى طلب المهادنة مع الإيرانيين، درءاً لمخاطر حملها انكشاف تورّط السعودية والإمارات ودول أخرى في موجة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية. وإذ لجأت الولايات المتحدة إلى خيار إدارة الأزمة مع إيران بأقلّ الخسائر الممكنة - مع الإشارة هنا إلى أن كباشها مع كلّ من روسيا والصين صبّ في صالح الأخيرة وساعد في إفشال الاستراتيجية المتّبعة ضدّها -، فقد أيقن الخليجيون جميعهم ولا سيّما السعوديون منهم، مع الوقت، أن البيئة الاستراتيجية المحيطة بهم لا تفتأ تحبل بمخاطر على نموّ دولهم وتطوّرها وريادتهم الاقتصادية، وهو ما أسّست له أصلاً الضربات التي تعرّضت لها الرياض وأبو ظبي ودبي بشكل متكرّر من الأراضي اليمنية، والتي مثّلت جرس إنذار بالنسبة إلى الدول المستهدَفة، وأرغمتها على طلب التهدئة بغية إبعاد الكأس المرّة عن نفسها.
يؤخذ على المغامسي تقلّبه في مواقفه بين ما قبل طرح رؤية ابن سلمان وما بعده (أ ف ب)
في هذا السياق تماماً، جاء الاتفاق السعودي - اليمني المنجَز برعاية عُمانية منذ بداية العام الجاري، في أعقاب زيارات متكرّرة قام بها مبعوثون سعوديون إلى صنعاء. على أن المماطلة السعودية في إمضائه وإعلانه لم يكن غرضها سوى تأكيد السردية القائلة بأن العدوان على اليمن جاء لـ«قطع يد إيران»، وبما أن الرياض اتّفقت مع طهران على استعادة علاقاتهما، فسيتمّ وضع حدّ للنزاع تلقائياً، وفق ما يَجري ترويجه في وسائل الإعلام الخليجية. تعتقد السعودية أنها بذلك الأسلوب قادرة على تغطية إخفاقها في الحرب، وهو ما يحملها على نشر روايات زائفة، مِن مِثل الربط بين زيارة الوفد السعودي التقني لطهران للتجهيز لفتح السفارة فيها، وبين زيارة السفير السعودي، محمد آل جابر، لصنعاء، أو الحديث عن نقل قناتَي «المسيرة» و«الساحات» اليمنيتيَن من بيروت إلى صنعاء بوصفه نتيجة للتفاهم الإيراني - السعودي، علماً أنه مقرَّر منذ زمن، وكان يَنتظر استكمال الترتيبات التقنية واللوجستية.
على أيّ حال، يُعدّ اتفاق الهدنة الموسّعة (في حال وُقّع) بين «أنصار الله» والسعودية، تحوّلاً تاريخياً في مسار الصراع، بل يمكن القول إنه إنّما يبرَم بين ضفّتَي الجزيرة العربية: الشمالية ممثَّلة بالمملكة والدول التي شاركت إلى جانبها في العدوان (الإمارات والبحرين والكويت بنسبة أقلّ)، والضفة الجنوبية أي اليمن، لينهي - لدى اكتماله - حرباً استمرّت ثماني سنوات، واستخدمت فيها دول العدوان مختلف الأدوات والقدرات العسكرية، بالتعاون مع الدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة وبريطانيا.