صنعاء | على رغم ارتفاع سقف التوقّعات بحدوث اختراق كبير في مسار السلام في اليمن خلال الأيام المقبلة، إلّا أن الأجواء السائدة في صنعاء لا تزال تميل إلى الحذر والتريّث، إذ إن الرياض التي أرسلت لجنة فنّية إلى العاصمة اليمنية، برئاسة سفيرها لدى اليمن محمد آل جابر، لاستكمال مسوّدة «اتفاق المبادئ» التي جرى حسم معظم بنودها بوساطة عُمانية الشهر الفائت، لا تزال تميل إلى المراوغة، مُحاِولةً تقديم نفسها كوسيط بين «المجلس الرئاسي» وحركة «أنصار الله»، وهو ما سبق للأخيرة أن رفضته على لسان زعيمها، عبد الملك الحوثي، ورئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط. وبحسب المعلومات، فإن المفاوضات المباشرة الجارية حالياً، والتي يكتنفها شيء من الغموض، لا تزال في مرحلتها الأولى، الأمر الذي أكّده عضو «السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، بقوله إن «الحوار المباشر لم يتجاوز الملفّ الإنساني، وفي مقدمة ذلك رواتب موظَّفي الدولة»، مشدّداً على أن «صنعاء تحاور الرياض باعتبار الأخيرة هي التي تقود العدوان على اليمن بعد واشنطن». من جهتها، أوضحت مصادر سياسية في صنعاء، في حديث إلى «الأخبار»، أن النقاشات التي دارت بين الجانب اليمني والوفد السعودي الذي ضمّ قيادات رفيعة في وزارة الدفاع، بحضور الوفد العُماني، تركّزت حول المطالب الإنسانية المتضمِّنة رفع الحصار، ودفع رواتب الموظفين من مبيعات النفط الخام، وفتح الطرقات المغلقة كافة في مختلف المحافظات، واستكمال الإفراج عن الأسرى وفق قاعدة «الكلّ مقابل الكلّ»، كشروط لتجديد الهدنة. وبيّنت المصادر أن المرحلة الأولى من المسوّدة أُنجز منها نحو 80% خلال الأشهر الماضية، فيما ثمّة مقترحات لمعالجة ملفّ المرتّبات الذي لا يزال محلّ خلاف بين الطرفَين. وفي هذا الإطار، أشارت إلى أن الوفد السعودي حمل ملاحظات منسوبة إلى «المجلس الرئاسي» الذي اجتمعت قياداته بالمسؤولين السعوديين في الرياض الأسبوع الماضي، حيث عُرضت عليهم مسوّدة الاتفاق، التي تنصّ على تمديد الهدنة لستّة أشهر يتمّ الإعلان عنها من قِبَل المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، مع التزام المملكة بتنفيذ مطالب «أنصار الله» الإنسانية كخطوات لبناء الثقة، على أن تنتهي بمرحلة انتقالية تصل إلى عامين. ولفتت إلى أنه جرى، خلال المناقشات في صنعاء، الاتفاق على برنامج لعقد لقاءات قادمة. في الأثناء، علمت «الأخبار»، من أكثر من مصدر، أن السعودية شرعت في صيانة منفذ الطوال البرّي الرابط بينها وبين اليمن، وذلك في أعقاب رفعها القيود التي تفرضها منذ عام 2017 على استيراد نحو 200 مادّة صناعية إلى الأسواق اليمنية الأسبوع الماضي، فضلاً عن إلغائها آلية التفتيش المفروضة على السفن القادمة إلى الموانئ اليمنية منذ ثماني سنوات، وهو ما أدّى إلى انسياب حركة السفن التجارية وفقاً لآلية التفتيش المباشر التي كانت قائمة قبل الحرب.
ووصل السفير السعودي إلى صنعاء السبت، برفقة 13 أسيراً أَفرجت عنهم سلطات بلاده، في مقابل أسير سعودي سبق لـ«أنصار الله» أن أطلقت سراحه عنه خلال زيارة سابقة غير معلَنة قام بها آل جابر إلى العاصمة اليمنية. وعلى الرغم من أن الزيارة الأحدث سبقتها خطوات مماثلة غير معلَنة خلال الأشهر الماضية، إلّا أنها أثارت سخط القوى والشخصيات الموالية لـ«التحالف»، والتي اتّهمت الرياض بـ«التضحية بالشرعية»، وتقديم حلفائها كـ«كبش فداء» بهدف التقارب مع صنعاء. كما تَعرّض «المجلس الرئاسي» لهجوم إعلامي من الموالين له، الذين اتّهموه بالضعف والفشل والتوقيع على اتّفاق لم يشارك فيه، معتبرين زيارة آل جابر لصنعاء ولقاءه مسؤوليها اعترافاً ضمنياً بأن حركة «أنصار الله» والحكومة التابعة لها هما اللتان تمثّلان «الشرعية» في اليمن. وفي محاولة لتخفيف موجة السخط تلك، قال وزير خارجية حكومة عدن، أحمد بن مبارك، إن الزيارة تمّت بالتنسيق والتشاور مع «المجلس الرئاسي».