مع قرب تحقُّق السلام في اليمن، جاءت زيارة الوفدَين السعودي والعُماني إلى صنعاء، خلال اليومَين الماضيَين، بمثابة اختتام لجولة ما قَبل الإعلان عن الاتفاق النهائي بين الجانبَين، والمتضمّن وقْف الحرب ورفْع الحصار، والانخراط في معالجة الملفّات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. ولعلّ حالة الهمس الديبلوماسي المتبادل بين صنعاء والرياض، والذي رافق وصول الزائرين إلى العاصمة اليمنية، في ظلّ جفاء سعودي مع المكوّنات الموالية للمملكة، تكشف عن تغييرات شاملة ستشهدها الساحة اليمنية خلال المرحلة المقبلة، في ما يخصّ ترتيب العلاقات مع السلطة التي ستتصدّر مشهد ما بعد الحرب.وبحسب مصادر سياسية مطّلعة، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الخلاف بات متركّزاً حول شكليات التوقيع على الاتفاق وتوقيت إعلانه. وفي هذا المجال، تكشف المصادر أن السعودية تقترح توقيع الصفقة بين حركة «أنصار الله» و«المجلس الرئاسي»، وهو ما ترفضه الحركة بشكل تامّ. ويأتي ذلك على رغم أن السعوديين قطعوا تواصلهم مع أغلب القيادات السياسية في «الرئاسي»، كما مع الحكومة في عدن، وأبقوا على قنوات الاتصال مفتوحة فقط مع رئيس المجلس رشاد العليمي، ونائبه عيدروس الزبيدي.
وبهذا، تكون المملكة قد دشّنت عملية فرز سريعة تحاول من خلالها استبدال أدوات الحرب بأدوات السلام، الأمر الذي يفسّر تخفيضها أو حتى قطْعها التواصل مع القيادات الميدانية الموالية لها، وانخراطها في تواصل مستمرّ مع «أنصار الله» لإنجاح المشاورات. وعلى رغم أن تلك المشاورات لم تنقطع، على مدى السنوات الماضية، إلّا أن ظروفاً محلّية وإقليمية ودولية دفعت الرياض نحو مفاوضات جادّة لإقفال ملفّ الحرب.
ولعلّ من أبرز الأسباب الداخلية، الخشية من استهداف صنعاء مصالح سعودية من شأن ضربها أن يلحق أضراراً كبرى بـ«رؤية 2030». وبالنسبة إلى العوامل الإقليمية، مهّد الخلاف السعودي - الإماراتي، الأرضية لذهاب الرياض منفردة للتفاوض مع صنعاء، خصوصاً بعد الزحف الإماراتي في المحافظات الجنوبية الشرقية، وطرْد القوات الموالية للسعودية منها. وفي هذا الإطار تحديداً، وجدت السعودية نفسها أمام حليف يتربّص بها، فيما رأت أن الاتجاه إلى عقْد صفقة سلام في اليمن، سيقطع الطريق على الإمارات قبل أن تتمكّن من إخراج المملكة من المشهد اليمني.
لم يكن هذا العامل الإقليمي هو الوحيد، بل إن التطبيع السعودي - الإيراني، والسعودي - السوري، صبّا أيضاً في اتّجاه التهدئة التي تعمل المملكة على بلورتها انطلاقاً من الملفّ اليمني، على اعتبار أن هذا الأخير يشكّل أكبر عوامل القلق بالنسبة إليها. وإلى العوامل المحلّية والإقليمية، مثّل الخلاف السعودي - الأميركي، أو ترتيب العلاقات بين البلدَين الحليفَين، كما يصفه السعوديون، عنصراً آخر مهّد لعملية السلام المشار إليها.
وانطلاقاً من كلّ ذلك، تندفع الرياض نحو السلام، على رغم العراقيل التي ستواجه مسعاها هذا، خصوصاً أن المكوّنات اليمنية الموالية لـ«التحالف» لم تشارك في جلسات النقاش حول بنود الاتفاق، فضلاً عن غياب أبو ظبي عن ملفّ التفاوض، وهو ما يفسّر الامتعاض الإماراتي من التحوّلات المتسارعة التي شهدتها جولات المفاوضات بين صنعاء والرياض، والتي دفعتها إلى التصعيد سياسياً وإعلامياً رفضاً لعملية السلام.
ولا يزال غير معلوم ما إذا كان في مستطاع الإمارات والمكوّنات الموالية لها، فرْض واقع في المحافظات الجنوبية، بعيدٍ من مسار التسوية التي تسعى السعودية إلى إنجاحها. وإلى ما قبل أسابيع قليلة، كانت المملكة خارج الحراك السياسي والعسكري والأمني في المحافظات الجنوبية، غير أن تشكيلها قوات «درع الوطن»، ونشْرها في مختلف هذه المحافظات، شكّل صدمة لـ«المجلس الانتقالي» ولأبو ظبي معاً، خصوصاً أن الرياض تهدف من وراء نشْر تلك القوات، إلى تأمين الجنوب وتكبيل يد «الانتقالي» قبل إتمام عملية السلام.