بغداد | بدأت العلاقة بين حكومة بغداد وإقليم كردستان تأخذ منحى إيجابياً بشكل غير مسبوق، ولا سيما في القطاع النفطي الذي يعدّ من أبرز الملفات الخلافية، منذ عشرين عاماً. ويتجلّى ذلك في توقيع اتّفاق بين الجانبَين ينقل تصدير نحو 400 ألف برميل من النفط يومياً من يد سلطات الإقليم إلى شركة النفط الوطنية «سومو». وجاء هذا في أعقاب قرار «غرفة التحكيم الدولية» منع تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان التركي، من دون موافقة السلطات الاتحادية العراقية، وهو ما يبدو أنه رتّب ضغطاً على سلطات أربيل التي استأثرت بالصادرات خلال أعوام طويلة من دون رضى المركز، ودفَعها إلى قبول الاتفاق
منذ عام 2003، يُعدّ ملف النفط وإيراداته مدار خلاف حادّ بين الحكومة المركزية في بغداد، التي تريد أن يكون التصدير عبر شركة النفط الوطنية «سومو» ومقرّها العاصمة العراقية، وبين الإقليم الذي يتمتّع بالحكم الذاتي، ويصرّ على أن التصدير بعائداته المالية الضخمة يجب أن يكون منفصلاً عن المركز، وذلك لغرض تحقيق استقرار الإقليم السياسي والاقتصادي. من هذه الزاوية، يُعدّ الاتفاق الذي جرى توقيعه بين الحكومة المركزية والإقليم، أوّل من أمس، في بغداد، تطوّراً مهماً في مجمل العلاقة بين الجانبَين، من شأنه أن يخفّف التوتر بينهما بشكل لم يحصل منذ عام 2003. ويبدو أن وقف صادرات النفط من الإقليم عبر تركيا، بموجب قرار «غرفة التحكيم الدولية»، قد رتّب ضغطاً على سلطات كردستان التي استأثرت بالصادرات خلال أعوام طويلة من دون رضى المركز، ما جعل التوقيع حتمياً، لكون وقف الصادرات يضرّ بالجانبين، وفق ما أوضحه رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، ورئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، في مؤتمر صحافي مشترك بعد التوقيع، آملَيْن من مجلس النواب الإسراع في تشريع قانون النفط والغاز بعد إكمال مشروع قانون الموازنة المالية الثلاثية التي أرسلها مجلس الوزراء قبل شهر تقريباً.
وشمل الاتفاق جملة من القضايا المهمّة، ومنها قانون النفط والغاز وآلية التصدير، كما تضمّن منح منصب نائب المدير العام لشركة «سومو» للأكراد. وكشف الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، في تصريح متلفز، أن الاتفاق شمل أربعة بنود أساسية، أوّلها تصدير 400 ألف برميل نفط يومياً من الإقليم عبر شركة «سومو»، وثانيها تشكيل لجنة رباعية تضمّ اثنين من وزارة النفط الاتحادية واثنين من وزارة الثروات الطبيعية في كردستان، لتشرف على بيع النفط المستخرَج من الإقليم إلى السوق العالمية، علماً أن هذا البند مؤقّت إلى حين إقرار الموازنة المالية للعام الحالي. أمّا البند الثالث الملزِم أيضاً فيتعلّق باتفاق أربيل مع أربع شركات عالمية، والاستعانة بخبراء من وزارة النفط لتذليل الصعوبات، فيما ينصّ البند الرابع على فتح حساب مصرفي تحت إشراف الحكومة الاتحادية لعائدات مبيعات نفط الإقليم.
ولاقى الاتفاق ترحيباً واسعاً، وقد وصفته قيادات كردية وعربية بارزة بأنه خريطة طريق جديدة للعلاقات الإيجابية والمنطقية بين بغداد وأربيل. لكن في الوقت نفسه، يتخوّف مراقبون وبرلمانيون من أن لا يستمرّ التفاهم لفترة طويلة، كونه جاء بموجب تسويات سياسية. في هذا الإطار، قال عضو لجنة الطاقة النيابية، فالح الخزعلي، لـ«الأخبار»، إن «الاتفاق سيضمن حقوق الجميع، بما في ذلك محافظات الوسط والجنوب التي تعاني منذ سنوات، وإن حكومة السوداني قامت بدور في جسر الهوّة بين الإقليم والمركز، وخاصة في القضايا المتشعّبة». ويضيف إن «تحرّكات الحكومة الاتحادية لوضع إيرادات الإقليم النفطية تحت سيطرة السلطة الاتحادية خطوة ذكية لم نرها من قِبل الحكومات السابقة. لذا نحن متفائلون بالاتفاق، ومتخوّفون في الوقت نفسه من عدم التزام أربيل على المدى البعيد ببنوده». ويتابع: «سابقاً، كان رقم الإيرادات وحتى الصادرات في الإقليم غامضاً ولم نكن نعرفه. ونأمل من الحكومة الاتحادية أن تضع الحلول والمعالجات لضمان حقوق جميع الشعب العراقي».
بيع النفط سيحقّق فائضاً قدره 5.232 مليارات دولار سنوياً عن موازنة رواتب موظفي الإقليم


من جهتها، تؤكد النائبة في لجنة النفط والغاز، زينب الموسوي، أن «الاتفاق هو جزء من البرنامج الحكومي الذي تبنّاه السوداني والذي يهدف إلى احترام الدستور وإرادة الشعب العراقي»، معتبرةً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاتفاق سيضمن حقوق جميع الأطراف، ولا سيما الشعب الكردي. وستبلغ الإيرادات المالية السنوية من حقول نفط كردستان، وفق السعر المفترض في الموازنة وهو 70 دولاراً، 12.6 مليار دولار، وهذا بطبيعة الحال سيعزّز موارد الموازنة المالية السنوية». وتلفت الموسوي إلى أن «الإقليم يحتاج إلى 7.368 مليارات دولار لتأمين رواتب موظفيه سنوياً، ولذا فإن الاتفاق سيضمن رواتب الموظفين والمتقاعدين في كردستان، وسيحقّق فائضاً قدره 5.232 مليارات دولار سنوياً». كما تعتبر أن «تحسّن العلاقة بين الجانبين سيصب في مصلحة جميع العراقيين ونطمح إلى حلحلة جميع القضايا الخلافية، سواء كانت مالية أو تخصّ كركوك والمناطق المتنازع عليها منذ سنوات».
بدوره، يشيد النائب في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، شريف سليمان، بالاتفاق، ويصفه في تصريح إلى «الأخبار» بأنه «بمثابة بداية جديدة بعد تاريخ طويل من الخلافات والسجالات وفقدان الثقة بين الجانبين»، لافتاً إلى أن «الاتفاق مبدئي، ونتمنّى أن يستمرّ إلى النهاية، وكلام بارزاني والسوداني كان مطمئناً على جميع الأصعدة بما فيها النفط وحصة الإقليم». وبشأن الضمانات، يستبعد سليمان «نقض الاتفاق، لأن هناك بنوداً تحمي مصالح جميع الشعب العراقي، ناهيك عن الشراكات الوطنية التي أبرمتها بغداد مع أربيل. وأعتقد أننا سنشهد تطوراً كبيراً في مسار العلاقات بين الطرفَين». أمّا النائبة في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وعضو اللجنة المالية النيابية، نرمين معروف، فترى أن هذا «الاتفاق كان ينبغي أن يحصل قبل سنوات، لأن إقليم كردستان هو جزء من العراق، وثرواته الطبيعية، بما فيها حقول النفط والغاز، هي للجميع وليست لطرف معين. ونحن نرحب بكل خطوة تسهم في تقريب وجهات النظر وتحمي حقوق مواطني كردستان جميعاً». وتشير معروف، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «السوداني منذ تسنّمه الحكومة، نراه جادّاً في عمله ومخلصاً في ضمان حقوق الجميع، بعيداً عن المشاكل السياسية. فنحن كاتحاد وطني نؤيد كلّ مَن يمتلك نية صادقة في العمل». وتعتقد أن «الاتفاق على ملفّ النفط يعني الاتفاق على جميع النقاط الخلافية، بما فيها الموازنة وحصّة الإقليم منها وكذلك تأمين الرواتب التي كانت هناك مشاكل كبيرة بسببها في وقت سابق».
ويرى السياسي الكردي، ياسين عزيز، من جانبه، أن «التطورات الأخيرة في العلاقات بين الإقليم والمركز مؤشر إيجابي، لكن لا يخلو من انتظار مفاجآت تدلّ على وجود عامل خارجي في فرض أجندات على الجميع، سواء كان ذلك في العلن أو الخفاء». ويقول لـ«الأخبار» إن «الاتفاق أُعدّ على عجل، وهو اتفاق مؤقّت يحدّد علاقة مبنية على صفقات سياسية، وهذه الصفقات كانت وما زالت سيدة الموقف في رسم خريطة العملية السياسية في عراق ما بعد 2003». ويرى عزيز أن «نجاح التفاهم يعتمد على استعداد الطرفين للتنفيذ الدقيق له، فلكلّ طرف حقوق وعليه واجبات، وعليه، ينبغي أن يُتوّج الاتفاق بتشريع قانون النفط والغاز الذي سيكون ضامناً منطقياً لحقوق الإقليم والمركز». وفي السياق نفسه، يصف الخبير النفطي، حمزة الجواهري، الاتفاق بـ«الممتاز كونه يعيد السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية للعراق. كما أنه يتماهى تماماً مع الدستور العراقي في المادة 110 ثالثاً والتي تعنى بتصدير النفط من خلال شركة سومو فقط، وكذلك المادة 111 التي تنصّ على أن النفط لكلّ العراقيين أينما وجدوا، والمادة 112 أولاً وثانياً التي تحفظ شراكة وحقوق الإقليم من النفط. وهذا ما رأيناه في الاتفاق». ويضيف الجواهري، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الاتفاق أيضاً سيفعّل دور الرقابة ليس فقط على النفط، وإنما على المنافذ الحدودية والضرائب والرسوم. وهذه ستتابعها لجان على رأسها الرقابة المالية الاتحادية، بإشراف السوداني»، موضحاً أن «سحب الأموال سيكون من حساب إقليم كردستان الذي ستوضع فيه جميع العائدات، سواء كانت تأتي من النفط أو المنافذ الحدودية وباقي القطاعات الأخرى، وسيأخذ الإقليم استحقاقه منها حسب ما هو مرصود في الموازنة المالية الاتحادية».