صادقت حكومة الاحتلال، أخيراً، على الالتزام الخطّي الذي قدّمه رئيسها، بنيامين نتنياهو، لوزير «الأمن القومي» فيها، إيتمار بن غفير، والقاضي بإنشاء ميليشيا تحت مسمّى «الحرس القومي»، ستُستخدم، وفق صحيفة «هآرتس»، ليس كجهاز شرطة عادي، وإنّما «كقوّة شبه عسكرية» تنتشر في أوقات الطوارئ داخل القرى والمدن الفلسطينية المحتلّة عام 1948. أمّا مهامها الأساسية فهي التعامل مع «أحداث الإخلال بالنظام العام، واحتجاجات قومية ينظّمها الجمهور العربي في إسرائيل». على أن هذا الالتزام لم يكن وليد التطوّرات الأخيرة التي دفعت نتنياهو إلى الإعلان عن تجميد خطّة إضعاف القضاء، بل هو نتاج اجتماعات مشتركة للشرطة والجيش عُقدت في الأشهر الأخيرة، وبُحث في خلالها، طبقاً للصحيفة، في «تقاسم الصلاحيات بين المؤسّستَين الأمنيتَين» في حال وقوع أحداث على غِرار «هَبّة أيار» 2021، و«اندلاع مواجهات بين العرب واليهود في المدن «المختلطة»، ومحاولات لإغلاق شوارع مركزية تتنقّل فيها قوّات الجيش، مثلما حدث أثناء العملية العسكرية في غزة قبل سنتَين». وعلى هذه الخلفية، فقد صيغت، بحسب الصحيفة، «خطّة عمل لنشر قوّات احتياط في الجبهة الداخلية بهدف تأمين الحركة والتنقّل في عشرات الشوارع التي تمرّ بالقرب من بلدات عربية»، حيث «يُفترض بالشرطة، والحرس القومي مستقبلاً، إضافة إلى قوّات من الجيش نفسه، الحفاظ على الأمن في تلك البلدات، وكذلك في المدن «المختلطة»».إزاء ما تَقدّم، يعتزم نائب وزير الأمن الداخلي السابق، عضو «الكنيست» يوآف سيغالوفيتش، من حزب «هناك مستقبل»، قوله إنه «يعتزم طلب إجراء بحث في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حول هذه الخطّة بعد عطلة عيد الفصح اليهودي». والسبب وراء ذلك، هو أن سيغالوفيتش الذي كان ضابط شرطة برتبة كولونيل، يرى أن «إدخال الجيش الإسرائيلي لتنفيذ مهمّة كهذه يستوجب تفكيراً واسعاً وعميقاً لأنه ينطوي على مخاطر استراتيجية كبيرة»، انطلاقاً من أن فلسطينيّي الـ48 سينظرون إلى هذا الإجراء على أنه بمثابة «عسكرة للعلاقات مع الدولة (التي احتلّتهم، وجعلتهم مواطنين في درجة دونية فيها)»، طبقاً لما نقلته عنه «هآرتس». ولَئِن كان تأمين الحركة والتنقّل في الشوارع في «الدول الطبيعية» هو من مسؤولية قوّات الشرطة، فإن التبرير الإسرائيلي لنقل هذه المسؤولية إلى الجيش يتمثّل في «النقص في القوات الشرطية». ولذا، «ومن أجل تنفيذ هذه المهمّة، ستنتشر 16 كتيبة مشاة - نصفها خضع لتدريب أوّلي فعلي - من الاحتياط تابعة لقيادة الجبهة الداخلية، من خلال سيارات جيب مزوّدة بأسلحة نارية ووسائل تفريق تظاهرات»، في مناطق عديدة في النقب والشوارع الرئيسة في فلسطين المحتلّة من الشمال إلى الجنوب، لحماية منشآت بنية تحتية استراتيجية، بحسب الصحيفة نفسها.
بحسب «معهد أبحاث الكنيست»، فإنه حتى عام 2022، بلغ النقص في الشرطة الإسرائيلية 3028 شرطياً


بالنتيجة، خطّة الاستعداد لحالات طوارئ عسكرية في البلدات العربية، هي نتاج مداولات عديدة في أروقة المؤسّسة الأمنية، لكن وفق «هآرتس»، «منذ تشكيل الحكومة الحالية، تزايدت ضغوط وزرائها لدفع الخطّة قُدُماً، وخاصة في النقب، بادّعاء غياب القدرة على الحكم والسيطرة في جنوب البلاد»، وهو ما كان بن غفير يكرّره باستمرار. إلّا أنه في ظلّ النقص الذي يعانيه جهاز الشرطة، يتقدّم السؤال حول المصدر الذي سيزوّد ميليشيا بن غفير بالعناصر؟ هل سيكون الجيش أم المنظّمات اليمينية مِن مِثل «الحارس الجديد» (راجع: هكذا استحال «الحارس الجديد» أخطبوطاً في الـ48؟، البلاد/ الأخبار، العدد 4776)، وخصوصاً أن هذه الأخيرة أعلنت، قبل أيام، أن لديها خططاً مفصّلة بهذا الشأن منذ ما قبل هَبّة أيار بشهور، وضعتها حالياً بيد «حرس الحدود». هنا، يَبرز ما نشره موقع منظّمة «هشومريم» (الحراس) الإسرائيلية المتخصّصة في إعداد التقارير الاستقصائية، من بيانات حول التآكل الحاصل في جهاز الشرطة، الذي يسجَّل فيه نقص بـ3000 عنصر. ويلفت الموقع إلى أنه في السنوات الخمس الأخيرة، ارتفع عدد الذين تركوا الجهاز، في مقابل انخفاض عدد الذين تجنَّدوا فيه، مبيّناً أن الأوّلين بلغوا 898 في عام 2017، والأخيرين 2101، ليعودوا وينخفضوا في عام 2021 إلى 1266، مقابل ارتفاع عدد المغادرين إلى 1121. وطبقاً للبيانات، فإنه في عام 2017، تقاعَد 515 شرطيّاً، فيما استقال 324، بينما ارتفع عدد الاستقالات في عام 2021 إلى 631، وحالات التقاعد إلى 556. كذلك، تَبيّن أن 43.1% من المستقيلين قدّموا استقالاتهم ما بين السنوات الخمس والعشر الأولى من الخدمة، فيما قدّم 47% من الشرطيين استقالاتهم ما بين السنتَين الأولى والخامسة.
وبحسب «معهد أبحاث الكنيست»، فإنه حتى عام 2022، بلغ النقص في الشرطة الإسرائيلية 3028 شرطياً، نال «حرس الحدود» الحصّة الكبرى منه بـ551 عنصراً، فيما بلغ العدد في مجال التحقيقات والمخابرات 211. وتوزّعت خارطة النقص على النحو الآتي: تل أبيب: 369 شرطياً، القدس: 366 شرطياً، منطقة المركز: 315 شرطياً، الجنوب: 299، الشمال: 211. أمّا بالنسبة إلى فلسطينيّي الـ48 الخادمين في الشرطة، فشكّل هؤلاء 12.5% من مجمل قوّات الجهاز، و21.1% من مجمل عدد الفلسطينيين في الداخل (البالغ تقريباً مليونَي نسمة). وبحسب دائرة الإحصاء المركزية، فإن عدد عناصر الشرطة وصل إلى مستوى قياسي غير مسبوق في الثمانينيات (439.5 شرطياً لكلّ 100 ألف مواطن)، وبدأ في التراجع منذ ذلك الحين ليستقرّ عام 2021 عند 353.6 شرطياً لكل 100 ألف مواطن.
بناءً على تلك الأرقام، يمكن القول إن هيكلية «الحرس القومي»، التي أقرّت الحكومة مدّة 90 يوماً لتشكيلها، قد لن تتمكّن من الاعتماد على عناصر من الشرطة، لتتوجّه الأنظار عنذاك إلى مؤسّسة الجيش أو إلى منظّمة «الحارس الجديد»، التي يرجّح أن تكون هي خزّان ميليشيا بن غفير. وفي الانتظار، كرّر المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، يكوف (كوبي) شبتاي، رفضه المطلق إقامة «الحرس القومي»، لكونه جهازاً مُعدّاً لأن يكون مفصولاً عن الشرطة. وفي مؤتمر «معهد أبحاث الأمن الشخصي ومناعة المجتمع» الذي عُقد أمس في كلية الجليل الغربي الأكاديمية في عكا، أشار شبتاي إلى أنه «ليس خفياً على أحد أنني عبّرتُ عن تحفّظي المهني، وحذّرتُ أمام وزير الأمن القومي من إقامة حرس قومي يخضع لوزارته، بوصف ذلك خطوة غير ضرورية وستكلّف ثمناً باهظاً للغاية، إلى درجة المسّ بالأمن الشخصي للمواطنين». وأضاف: «أوضحتُ أن إقامة جهاز جديد ومنفصل عن الشرطة قد تضرّ بقدرة تفعيل مجمل أجهزة الأمن الداخلي في الدولة»، منبّهاً إلى أن «أيّ فصل عن أركان المراقبة والسيطرة الشرطية سيشكّل دماراً للأمن الشخصي، وتبذيراً للموارد وتفكيكاً للشرطة من الداخل». وأكد «(أنّني) سأستمرّ بالعمل من أجل الحفاظ على استقلالية الشرطة وعلى كونها الجهاز الوحيد في الدولة في مجال الأمن الداخلي: أي نظام واحد، قيادة واحدة، منظومة معلومات ومباحث واحدة».