في وقت كان يحتفل فيه فصيل «جيش سوريا الحرة» بتخريج أوّل دفعة من مقاتليه الذين تمّ تجنيدهم في إطار عملية إعادة هيكلة أميركية للفصيل، شملت تغيير اسمه أيضاً بعدما كان «جيش المغاوير»، حطّ رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، رحاله في قاعدة التنف الأميركية، قادماً من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حيث ناقش، وفق المتحدّث باسمه، مع هرتسي هاليفي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، «قضايا الأمن الإقليمي وتنسيق الدفاع ضد التهديدات التي تشكّلها إيران»، مستبقاً بذلك جولة لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في الشرق الأوسط، ستشمل إسرائيل ومصر والأردن. وتأتي زيارة المسؤول العسكري الأميركي، والتي أعلنت دمشق رفضها القاطع لها، مُدينةً هذا السلوك بوصفه «انتهاكاً صارخاً لسيادة وحرمة أراضيها ووحدتها»، في وقت تشهد فيه المنطقة تسخيناً متواصلاً، سواء على صعيد الملفّ السوري الذي تحاول واشنطن عرقلة أيّ انفراج فيه، أو على الصعيد الإقليمي في ظلّ ارتفاع منسوب التوتّر مع إيران على خلفية برنامجها النووي؛ ولربّما هذا ما يمكن أن يفسّر سبب اختيار ميلي «التنف» تحديداً، من بين قواعد عدّة أميركية في الشمال الشرقي من البلاد.وتولي الولايات المتحدة اهتماماً متزايداً للقاعدة المذكورة، والتي تنظر إليها على أنها استراتيجية بسبب موقعها بين ثلاث دول (سوريا والعراق والأردن)، وابتعادها عن الحدود التركية، بالإضافة إلى أن القوات التي تديرها فيها هي قوّات عربية على خلاف بقية القواعد التي تدير فيها واشنطن تشكيلات كردية (قوات سوريا الديموقراطية – قسد). ويتوافق هذا الاهتمام مع الخطوات الأميركية الجديدة لتصعيد الضغوط على سوريا، وعلى رأسها إقرار قانون العقوبات الجديد (قانون الكبتاغون) الذي تحاول من خلاله واشنطن تعزيز مراقبتها للحدود، وقطْع سبل التواصل بين سوريا وحلفائها. وتجيء هذه الخطوات في وقت يسعى فيه سياسيون إلى تمرير قرار يقضي بسحب القوات الأميركية من سوريا. ويقود النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مات غايتس، تلك الجهود، على خلفية زيادة المخاطر المترتّبة على الوجود العسكري الأميركي في هذا البلد، حيث تتعرّض القواعد الأميركية لهجمات صاروخية وعبر الطائرات المسيّرة بين وقت وآخر. وهي هجماتٌ بدت لافتةً إجابة رئيس هيئة الأركان الأميركية، بشكل غير مباشر، عن سؤال لأحد الصحافيين بشأنها خلال وجوده في «التنف»، بالقول: «إذا كان (سؤالك هو) هل هذه المهمّة ضرورية؟ فإن الإجابة هي نعم»، مشيراً إلى أن زيارته «تأتي لتقييم مهمّة عمرها ثمانية أعوام تقريباً لمحاربة تنظيم داعش، ومراجعة إجراءات حماية القوات الأميركية من أيّ هجوم».
الزيارة الأميركية الجديدة تأتي في وقت يحاول فيه سياسيون تمرير قرار يقضي بسحب القوات الأميركية من سوريا


وفي وقت تؤمّن فيه القوات الأميركية عبر قواعدها في الشرق والشمال الشرقي اللذين تنتشر فيهما «قسد»، المواقع النفطية السورية، تنظر واشنطن إلى «التنف» التي أُنشئت عام 2016 على أنها محطّة «استراتيجية» تهدف إلى الإشراف على المنطقة التي تصل بين سوريا والعراق، علماً أن هذه القاعدة استخدمتها إسرائيل في أوقات سابقة خلال شنّ هجمات صاروخية في سوريا، عبر طائرات دخلت البلاد من فوق «التنف». كما تتّهم دمشق وموسكو، واشنطن، بتحويل القاعدة إلى مركز دعم لوجستي لتنظيم «داعش» الذي تنطلق خلاياه من منطقة التنف، وتنفّذ عمليات ضدّ مواقع للجيش السوري بين وقت وآخر. وقصفت طائرات روسية مواقع قرب القاعدة العام الماضي، فيما تشنّ قوات «المقاومة الشعبية» هجمات دورية عليها عبر الطائرات المسيّرة. في المقابل، استقدمت الولايات المتحدة، خلال الشهور الماضية، مزيداً من التعزيزات إلى «التنف»، من بينها قواذف ومضادّات أرضية لمواجهة أيّ هجمات عبر الطائرات المسيّرة. كما درّبت الفصائل السورية التي قامت بتشكيلها على تلك الأسلحة، في وقت تستمرّ فيه عمليات تجنيد وتدريب المقاتلين بعد توفير ميزانية إضافية لذلك عبر «قانون الكبتاغون» الذي جرى تمريره قبل نحو ثلاثة أشهر.
وتأتي التحرّكات الأميركية المتزايدة في الملفّ السوري ميدانياً وسياسياً، ومن بينها التلويح بعقوبات «قيصر» لمواجهة حركة الانفتاح العربي على دمشق، في وقت تتابع فيه عواصم عربية المضيّ في هذا المسار. فقد أعلنت تونس، أخيراً، رفع مستوى علاقتها بدمشق، التي كان قد زارها أيضاً وزير الخارجية المصري الأسبوع الماضي، بينما يُنتظر أن تخطو السعودية على الطريق نفسه، ضمن مبادرة وساطة تقودها الإمارات وسلطنة عُمان والأردن.