لا تزال أروقة مجلس الأمن الدولي، الواقعية والافتراضية على السواء، تشكّل ساحة نزال بين السياسات الأميركية والروسية تجاه سوريا، وخصوصاً تلك المتعلّقة منها بمواجهة تداعيات الزلزال المدّمر. وقد شكّلت جلسة المشاورات المغلَقة التي عقدها المجلس في الثالث والعشرين من شباط المنصرم، حول مسألة وصول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، أحد تجلّيات هذه المواجهة. وانعقدت المشاورات المُشار إليها خلال جلسة لم تكن أصلاً معدّة للشأن السوري، لكنها أُدرجت بطلب أميركي تحت بند «ما يستجدّ من أعمال»، وشارك فيها بصورة افتراضية، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتين غريفيث، في ما يُعدّ ثاني مرّة يُتناول فيها الشأن السوري تحت هذا البند، علماً أنه في المرة الأولى كانت فرنسا هي التي طلبت مشاورات مماثلة في إطار «ما يستجدّ من أعمال».وبحسب مصدر عربي تحدّث إلى «الأخبار»، فإن الصراع الدبلوماسي الذي تجسّد في تمسّك كلّ عضو من أعضاء مجلس الأمن بمطالبه ومواقفه، حال دون خروج الجلسة تلك، ببيان صحافي حول مسألة المساعدات. إذ أصرّت كلٌّ من الولايات المتحدة وبريطانيا على الإشارة إلى ضرورة اتّخاذ مجلس الأمن إجراءات مستقبلية بشأن فتح المعابر، واستصدار قرار بهذا الشأن، فيما تمسّكت روسيا بأهمية أن يتضمّن البيان إشارة إلى «الإجراءات القسرية الأحادية» المفروضة على سوريا (Unilateral Coercive Measures)، وأمَلَت أن يتمّ احترام قرار دمشق فتح المعابر، معتبرةً أن أيّ عوائق تظهر تقع على الأطراف كافة، الموجودين على الأرض، مسؤولية تذليلها وليس على الحكومة السورية حصراً، واصفةً موقف الولايات المتحدة حول العقوبات بأنه «منافق». وأشارت إلى أنه لم يُسجّل مرور أيّ قافلة عبر الخطوط (وفقاً للقرار 2165 لتمرير المساعدات عبر خطوط التماس بين جبهات القتال)، في حين رُصد مرور أكثر من 200 قافلة عبر الحدود، مضيفةً إنه «منذ تجديد الآلية (إيصال المساعدات) عبر الحدود قبل 4 أشهر، صِفر قوافل مرّت عبر الخطوط».
بدورها، شدّدت الصين على ضرورة إحاطة المجلس بالتطوّرات، ولكن ليس عبر إدراج المسألة وإثارتها تحت بند «ما يستجدّ من أعمال»، فيما تأسّفت البرازيل، التي تحدّثت باسم حاملي القلم الإنساني السوري، لعدم صدور أيّ بيان. وقدّم غريفيث، من جانبه، إحاطة للمجلس عن التطوّرات الأخيرة بشأن المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية، وتحدّث عن «الكثير من السوريين الذين عادوا من تركيا إلى سوريا عبر معبر باب الهوى بقرار من الرئيس السوري بشار الأسد». ولفت إلى أنه حتى موعد انعقاد الجلسة، تمّ تقديم 60 مليون دولار لسوريا من خلال خطّة الاستجابة، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة، بالتعاون مع السلطات التركية، تقوم بمراقبة العمليات عبر المعبرَين اللذين تمّ فتحهما أخيراً، وذلك من طريق عمليات تفتيش عشوائية.