صمتت السلطة الفلسطينية طويلاً إزاء ما كشفتْه وسائل الإعلام عن طرْح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خطّة على السلطة تهدف إلى القضاء على خلايا المقاومة في شمال الضفة الغربية المحتلّة، قبل أن يكسر الصمت محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، بإجابته عن سؤال حول ما عُرف بـ«خطّة مايكل فينزل»، بالقول: «أنا لا أتعامل مع التسريبات، لكن تجنيد 5 آلاف عنصر هو عدد كبير أكبر من موازنة السلطة». وكانت التسريبات قد كشفت أن الخطّة المُشار إليها تنصّ على مشاركة أميركية في التنسيق الأمني، من خلال ممثّلين كبار سيَحضرون اجتماعات المستويات العليا بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين لعدّة شهور، على أن يرسِل الطرفان الأخيران تقارير منتظِمة إلى الأميركيين حول التقدُّم في القضايا الأمنية العالقة. كما تنصّ على تدريب قوّات خاصة فلسطينية مكوّنة من 5 آلاف عنصر، يعملون حالياً في جهاز الأمن الوطني، في إطار برنامج خاص يشرف عليه الأميركيون في الأردن، قبل أن يتمّ إدخالهم إلى المقارّ الجديدة في جنين ونابلس، بالتزامن مع تقليص كبير لنشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقتَين. أيضاً، اقتُرح الإشراف الأميركي على نقاط الاحتكاك، وخاصة في شمال الضفة وربّما جنوب الخليل، إضافة إلى مشاركة فِرق غربية في عمليات المراقبة. إزاء ذلك، يعتقد المحلّل السياسي المقرّب من حركة «فتح»، عزيز المصري، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «قبول السلطة للخطّة الأميركية يعني أنها تدقّ آخر مسمار في نعشها، وخصوصاً أن ما يَجري الحديث عنه ليس مقترناً بأيّ أطروحات أو مسارات سياسية»، فيما يتساءل الضابط في الأمن الوطني، محمود عامر - اسم مستعار -، وهو من سكّان مدينة نابلس: «مَن الذي يَقبل على نفسه من الأجهزة الأمنية بأن يَدخل إلى نابلس ليَعتقل أبناء الأجهزة الأمنية أنفسهم الذين ينخرطون في الفعل المقاوم في البلدة القديمة؟ تطبيق سيناريو كهذا يحتاج إلى 5 آلاف جندي من الصومال وليس من الضفة الغربية». ويقول عامر، لـ«الأخبار»، إن «دوافع الانخراط في العمل المقاوم ليست عاطفية، هناك أسئلة تُطرح عن دور السلطة خلال الـ 15 عاماً الماضية، ومشروعها السياسي، فيما يتوسّع المشروع الاستيطاني ويتّجه إلى الضمّ». 
من وُجهة نظر عسكرية، فإن ما ينقص السلطة لممارسة دور أكثر فعالية في مكافحة خلايا المقاومة في الضفة، ليس التدريب والسلاح، إذ «أُتخمت الأجهزة الأمنية، خلال 15 عاماً من الانقسام، بالسلاح والتدريبات والمساعدات الأمنية السخيّة من الإدارة الأميركية»، وفق ما يقول المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «ما تحتاج إليه السلطة هو المبرّر والغطاء، في السابق كانت فزّاعة تكرار سيناريو سيطرة حماس على غزة في الضفة، هي الغطاء، ولمّا أصبحنا فعلياً في زمن ما بعد الانقسام، فإن السلطة لا تمتلك ما تقوله أو تَرفعه حتى في وجه عناصر فتح الذين ستُلاحقهم وتعتقلهم، سوى أنها تعمل وكيلاً أمنياً ساقطاً لدى الاحتلال». من جهته، يرى الباحث السياسي، مجد ضرغام، أن «خطّة فينزل ولدت ميتة»، قائلاً لـ«الأخبار»: «هم يقايضون السلطة على بقائها ودعْمها المادي، لكن تطبيق الخطّة أو إعلان أيٍّ من قادة السلطة والأجهزة الأمنية أنه بطلها وعرّابها، سيَدفعه إلى المقامرة بمستقبله السياسي والشعبي. مَن يستطيع مواجهة الآلاف الذين يَخرجون عقب كلّ بيان نفير للعرين؟ سيكون مجنوناً من يفكّر بذلك».
قادة السلطة الذين كانوا يتسابقون لزيارة بيوت عزاء الشهداء، امتنعوا عن زيارة عائلات 11 شهيداً في نابلس


ولعلّ واحداً من المشاهد اللافتة، التي تُظهر قدْر الحرج الذي تعيشه السلطة، هو إحجام أيّ من قادتها الذين كانوا يتسابقون لزيارة بيوت عزاء الشهداء، عن زيارة عائلات 11 شهيداً في نابلس. وفي هذا الإطار، يقول مصدر في البلدة القديمة، في حديث إلى «الأخبار»: «بخلاف المحافظ ليلى غنام التي تحظى بالاحترام، لم يَزُر أيّ من قادة السلطة والأجهزة الأمنية بيوت عزاء الشهداء، فيما كانوا سابقاً، يسارعون لتقديم العزاء والتقاط الصور». ويرى المصدر ذاته أن «ما حدث ليلة المجزرة، هو أن الشارع وصل إلى أعلى مراحل الغليان، ولم يعُد مقبولاً رؤية وجه أيّ سياسي يَطرح، ولو مجرّد طرح، تفاهمات مع الاحتلال، فكيف بمَن جلس في اليوم الثالث من المجزرة، مع القادة الأمنيين لقوّات الاحتلال الذين أشرفوا بأنفسهم عليها؟». 
يُذكر أن معلومات «الأخبار» كانت قد أفادت بأن السلطة لم تعترض «من حيث المبدأ» على الطرح الأميركي، بل أَبلغت واشنطن أنها بحاجة إلى مساعدتها في هذا الإطار لأن «بعض الملفّات بدأت تَخرج عن السيطرة». كما طلبت إليها مراجعة الأسباب التي أدّت إلى تولُّد الإشكاليات الأخيرة، مؤكّدةّ لها أن استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في النهج نفسه سيؤدّي إلى «تصاعد الأحداث، وربّما تطوُّرها إلى انتفاضة جديدة لا يرغب فيها أحد». في المقابل، ذكرت مصادر إسرائيلية أن السلطة أبدت تحفّظها على «الخطّة كونها لا تتماشى مع طريقة عمل أجهزة الأمن الفلسطينية، والتي تقوم أيضاً على أساس المفاوضات وليس فقط عبر استخدام القوة، فضلاً عن أنها لا تأخذ بالحسبان حاجة السلطة إلى حشْد دعْم الرأي العام الفلسطيني لمثل هذه العملية».