مساء 23 شباط الماضي، نشرت «عرين الأسود» واحداً من أكثر بياناتها نوعيّة واحترافاً. الجماعة التي تمتلك اليوم التأثير الأكبر في الشارع الضفّاوي خصوصاً، والفلسطيني عموماً، وجّهت، في بيانها، خطاباً إلى حسين الشيخ، من دون أن تَذكره باسمه، قالت في مطلعه: «واهم ثمّ واهم ثمّ واهم مَن يظنّ أن العرين قد انتهى، ثمّ واهم مَن يظنّ نفسه يعلم شيئاً عن العرين، وقد جلس قبل أيام بصفته الشخصية والرسمية، منقلباً على رئيسه ووليّ نعمته، ليُقنع الأميركيين وقادة الكيان بأنه قادر على إنهاء المقاومة في نابلس وجنين». كانت «العرين» أوّل مَن كشفت تفاصيل قناة الشيخ السرّية مع الاحتلال، قبل أن يبادر «أبو تالا» للإعلان عنها بنفسه، زاعماً أنها «اجتماعات من فوق الطاولة وبعلم القيادة». وبحسب تقدير مصادر مقرّبة من «الأسود» في حديثها مع «الأخبار»، فإن ثمّة جهة رسمية من داخل السلطة، سرّبت إلى المجموعة معلومات موثوقة تضمّنت تفاصيل ما طلبه الإسرائيليون من الشيخ على مدار أسابيع، وحتى نصّ ما ردّ به أمين سرّ «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» عليهم من تعهّدات.إزاء ذلك، يعتقد المحلّل السياسي، ثابت العمور، أن «عرين الأسود دخلت الصراع الفتحاوي الداخلي من أدقّ الأبواب وأكثرها حساسية»، معتبراً أن «الصِبغة الفتحاوية للمجموعة - معظم قياداتها ومُؤسّسيها من عناصر حركة فتح والأجهزة الأمنية -، تُعطيها امتياز الحصول على معلومات حسّاسة، تَسبّب توظيفها على نحو شعبي، في عقْد ما يشبه الاستفتاء العام على المستقبل السياسي للشيخ». ويضيف العمور في حديثه إلى «الأخبار»: «يبدو أن كلمة السرّ كانت في تسريب الشيخ بأن عباس يستعيد مجد عرفات، بالاستدلال بأن جزءاً مركزياً من كادر عرين الأسود منتمٍ إلى الأجهزة الأمنية، تحديداً الوقائي والمخابرات، والهمس إلى نتنياهو بأن عباس يعلم ذلك ويدركه ويغضّ الطرف عنه، فيكون هذا صاعق الاستدارة الإسرائيلية - الأميركية لمصلحة الشيخ بديلاً من عباس». ويستدرك العمور بأنه «لم يَثبت تورُّط عباس في دعم العرين، ولكن بعض بطانته وغالباً فرج، اجتهد في فتْح خطوط اتّصال مع المجموعة استغلّها الشيخ لتفجير المقاطعة وضرْب عصفورَين بحجر واحد: عباس وماجد، لتَخلوَ له الساحة»، متابعاً أن «تخصيص الشيخ بالذكر في بيان العرين يعني أن سيناريو الفلتان حاضر، وكانت مقدّمته إطلاق النار على بعض مراكز الشرطة».
من جهته، يرى الباحث السياسي، مجد ضرغام، أن تلك الرواية تستند إلى مرتكزات حقيقية، أبرزها العداء بين الشيخ وفرج، والذي وصل إلى مرحلة الصدام، خصوصاً بعد التسريب المنسوب للأوّل، والذي يسخر فيه من الأخير ومن عباس. ومع ذلك، يشكّك ضرغام في بعضٍ من جوانب الرواية، لافتاً إلى أن «ميزة العرين أنه بقي عابراً للحزبية، فإذا كان لم يَقبل أن يُحسب على حماس والجهاد، رغم أن جلّ دعمه منهما، واشترط على عناصره ترْك انتماءاتهم الحزبية خارجاً قبل الانضمام إليه، فهل سيَقبل أن يغدو طرفاً في صراع داخلي سلطوي غير نظيف (...) أعتقد أن دافع المجموعة في التصويب على الشيخ، هو تقويض المخطّط الأمني الذي كان يعمل الرجل على إنضاجه، والذي يستهدف اجتثاث العرين أوّلاً. وإنْ كانت هذه المبارزة قد تصبّ في مصلحة بعض الأطراف المتنافِسة، فإن ذلك لا يعدو أنه جاء تحصيل حاصل غير مقصود، خصوصاً أن كلّ أطراف السلطة، لديها نفس الموقف والقناعة من فصائل المقاومة وخلاياها في الضفة».
على أيّ حال، يمكن القول إن بيان «العرين» وما تَبِعه من خروج مسيرات جماهيرية حاشدة في مختلف مدن الضفة الغربية، شكّل ضربة معنوية وشعبية قوية للشيخ، خصوصاً أنه جاء بعد تسريبات نشرتْها وكالة «شهاب» المحسوبة على حركة «حماس» في 26 كانون الأوّل الماضي، اتّهم فيها الشيخ، عباس، بأنه شريك في الفوضى التي يَقصد بها خلايا المقاومة، قائلاً: «أنا مع التعايش والصدام مع أبو مازن (...) مش كلّ شي بدو إياه بدنا نمشيله إياه»، مهاجماً أيضاً كلّاً من ماجد فرج وتوفيق الطيراوي وجبريل الرجوب وعزام الأحمد ومحمود العالول. على أن الشيخ، وكلّ مَن يقفون في وجه حالة المقاومة في الضفة، في ظلّ التأثير الشعبي الجارف لـ»عرين الأسود»، سيكونون «أمام سقوط لا تَتبعه قائمة (...) المضيّ في مواجهة الشارع سيقود إلى حمام دم، ليس مع حالات المقاومة، إنّما مع العائلات والحاضنة الفتحاوية ذاتها التي أضحت جزءاً من المشهد»، بحسب ما يؤكد ضرغام.