الحسكة | لا يبدو تخصيص الولايات المتحدة مبالغ مالية لكلّ مَن يساعدها في الاستدلال على مواقع الطائرات المسيّرة الإيرانية أو الصواريخ المحلّية الصنع في بادية حمص المرتبطة جغرافيّاً بمنطقة الـ55 كيلومتراً، أمراً مستغرباً، وذلك انطلاقاً من حجم الأذى الذي لحق بـ«قاعدة التنف» خلال الهجوم الأخير الذي تعرّضت له في الشهر الأوّل من العام الجاري. وفي حينه، أقرّت واشنطن بوقوع هجوم على القاعدة، في الـ20 من كانون الثاني 2023، بثلاث مسيّرات، نجحت إحداها في اختراقها وإلحاق أضرار مادية بها، وإصابة عنصرَين من «جيش سوريا الحرّة» المدعوم من قِبَل الأميركيين. كذلك، شكّل نجاح إحدى الطائرات المسيّرة الإيرانية، المصنّعة يدويّاً، في التحليق لساعات طويلة فوق قاعدتَي «العمر» و«كونيكو» في ريف دير الزور، قبل أسبوعين، خرقاً مهمّاً لأنظمة الرصد الأميركية، وأثار خشيةً من إحداث خرق مماثل في التنف.هذه المعطيات، دفعت الأميركيين إلى إلقاء عدد من المناشير الورقيّة في محيط منطقة الـ55 كلم في بادية حمص، تعلن فيها تخصيص مكافآت مالية كبيرة لكلّ مَن يساعدها في الوصول إلى المسيّرات والصواريخ التي تستهدفها في المنطقة. وبحسب المناشير، فـ«(إنّنا) نبحث عن طائرات مسيّرة من دون طيار، وصواريخ من جميع الأنواع، حيث تصل مثل هذه المعدّات إلى أيادي أولئك الذين يريدون إلحاق الأذى بك»، مضيفةً: «نبحث عن هذه المعدّات، وستحصل على مكافأة في حال إبلاغنا عن المعلومات التي تؤدّي إلى مصادرتها». وتُعدُّ «قاعدة التنف» التي أُسّست في عام 2016، أهمّ القواعد الأميركية غير الشرعية في سوريا، نظراً إلى كونها الوحيدة التي يتمركز فيها الجنود الأميركيون وحلفاؤهم في جنوب البلاد. وتكتسب القاعدة أهميّتها أيضاً، من وجود نحو 200 جندي، نصفهم من الأميركيين، والنصف الآخر من البريطانيين وجنسيات أخرى، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي على مثلّث الحدود السورية - الأردنية - العراقية، وإشرافها على مساحات جغرافية واسعة من البادية السورية، التي تسيطر عليها الحكومة السورية.
أيّ هجوم يؤدّي إلى إصابات أو قتلى في صفوف الجنود الأميركيين سيحرّك الداخل الأميركي بالتأكيد


على أن الهدف الرئيس من تأسيسها، هو منْع الترابط البرّي بين إيران والعراق وسوريا، ومراقبة النشاط الإيراني في البادية السورية، بعدما لعبت طهران دوراً مهمّاً في السيطرة على البوكمال وإعادة ربط سوريا بالعراق بريّاً. وتتوجّس واشنطن من تصاعد النشاط العسكري ضدّها في هذه المنطقة، في ظلّ اتهامات رسميّة غير مباشرة لها بتقديم الدعم اللوجستي لمسلّحي «داعش» هناك، والذين هاجموا أخيراً عدداً من المدنيين، ما أدّى إلى مقتل 57 شخصاً. كذلك، فإن الوجود الأميركي في التنف، يلعب دوراً مهمّاً لجهة تقديم المعلومات الاستخبارية للإسرائيليين لتنفيذ اعتداءاتهم في سوريا، وهو ما حصل خلال العدوان الأخير على كفرسوسة وسط دمشق، والذي يترقّب الأميركيون ردّاً عليه.
وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر ميدانية سورية، لـ«الأخبار»، أن «الاحتلال الأميركي تعمّد، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، إدخال معدّات جديدة إلى مختلف قواعده غير الشرعية في سوريا، تضمّنت أحدث أنظمة المراقبة، ومعدّات خاصّة للتصدّي لهجمات الطائرات المسيّرة، لحماية هذه القواعد من أيّ هجوم»، مشيرةً إلى أن «خرْق طائرة مسيّرة مصنّعة يدويّاً، يُعتقد أنها إيرانية، لهذه الأنظمة المتطوّرة، شكّل حالة إرباك للأميركيين، ما دفعهم إلى اللجوء إلى محاولة شراء الذمم، للوصول إلى هذه المسيّرات». وكشفت المصادر أنه «من بين 6 استهدافات طاولت قاعدة التنف منذ عام 2021، كان الهجوم الأخير هو الأعنف»، مضيفةً أن الأميركيين «باتوا يتحضّرون لهجمات أقوى على هذه القاعدة، وهو ما شكّل حالة قلق زاد من حدّتها وجود أصوات في الداخل الأميركي، بدأت تطالب رسمياً بضرورة سحب القوّات الأميركية من سوريا». وترى المصادر أن «أيّ هجوم يؤدّي إلى إصابات أو قتلى في صفوف الجنود الأميركيين سيحرّك الداخل الأميركي بالتأكيد، وسيدفع نحو رفْع الصوت نحو ضرورة الانسحاب من سوريا».