بغداد | في الثامن من شباط الجاري، قدّم رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مشروع تعديل الدستور إلى رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، لإجراء مراجعة شاملة في بعض المواد والبنود، ولا سيما الفقرات التي لا تنسجم مع الظروف والمستجدّات الراهنة. والدستور العراقي مَثار جدل منذ إقراره في عام 2005؛ إذ بين فترة وأخرى، تُفجِّر بعض فقراته خلافات حادّة بين الأطراف السياسية، وآخرها الانسداد الذي استمرّ عاماً كاملاً، وتَسبّب بمواجهات مسلّحة بين أنصار «التيّار الصدري» وقوات حماية «المنطقة الخضراء»، وسط بغداد.أبرز النقاط الخلافية في الدستور، هي: المحكمة الاتحادية، تحويل نظام الحُكم إلى رئاسي أو شبه رئاسي، قوانين النفط والغاز، المادّة 140 المتعلّقة بملفّ المناطق المتنازَع عليها بين سلطتَي بغداد وأربيل، تقليص عدد أعضاء مجلس النواب، منْع تكرار الفراغ الدستوري الذي حصل في فترات مختلفة، وتحديد الكتلة الكبرى أو الأكثر عدداً داخل البرلمان. ومنذ التصويت على الدستور سنة 2005، تنشطر آراء الأحزاب السياسية بين مؤيّد ومعارض ومتحفّظ حول عدد من المواد الخلافية، وتتنوّع مطالبتها بين إعادة كتابته أو تعديله أو حذف بعض الفقرات التي يراها بعض فقهاء القانون «جدلية» ولا تتناسب مع التطوّرات والمتغيّرات الحالية.
وبهذا الخصوص، يرى النائب المستقلّ وعضو اللجنة القانونية النيابية، رائد المالكي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الكثير من المواد والفقرات تحتاج إلى المراجعة، وخاصة المتعلّقة بالثروات النفطية وتحديد الكتلة الكبرى داخل البرلمان، وأيضاً بما يخصّ المناطق المتنازع عليها، وباقي المواد المتّصلة بالعلاقة بين حكومتَي الإقليم والمركز، والتي بسببها نعيش خلافات وأزمات». ويضيف أن ثمّة «ضرورة لتعديل الفقرة الخاصة بالفراغ الدستوري، والتي تُعنى بآلية تشكيل الحكومة بعيداً عن الخلافات السياسية اليي تحصل مع بداية كلّ دورة انتخابية، وهذا أيضاً ما يعطي الفرصة للأحزاب السياسية لعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية، وأن يكون الفيصل في ما بينها هي التوافقات السياسية».
ويبيّن المالكي أن التعديل الدستوري يتمّ من خلال إحدى طريقتَين: «الأولى أن تقوم الحكومة بإرسال مقترحاتها ليتمّ درْسها ومن ثمّ التصويت عليها، وهذا ما تريد الحكومة الحالية أن تمضي به؛ والثانية رفْع مقترح من البرلمان يتضمّن تشكيل لجنة لتعديل وإعادة صياغة بعض مواد الدستور». وإذ يَلفت إلى أن كلتا الطريقتَين تحتاجان إلى التوافقات السياسية، فهو يستبعد نجاح الحكومة في ما ترمي إليه، قائلاً إن «التعديلات لن تكون سهلة، وتحتاج إلى إرادة سياسية، فضلاً عن الأمور الفنية واللوجستية». والجدير ذكره، هنا، أنه في عام 2019، وعلى خلفيّة الاحتجاجات الشعبية، شكّل البرلمان العراقي لجنة لتعديل الدستور، إلّا أنها لم تصل إلى أيّ نتيجة في عملها، نتيجة الضغوط التي مارستْها الأحزاب على أعضائها.
ثمّة مواد ملغومة في الدستور تؤجّج دائماً الخلافات بين حكومة كردستان والمركز


من جانبه، يَعتبر المحلّل السياسي، عبدالله الكناني، أن مشروع تعديل الدستوري ضروري، وخاصة بعد أن شهد العراق الكثير من الأزمات والصراعات السياسية والطائفية بسبب التفسير الخاطئ لمواد الدستور وبنوده. ويشير الكناني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك موادَّ في الدستور ملغومة ولها أوجه متعدّدة، ولا سيما التي لها أبعاد سياسية، والتي دائماً ما تؤجّج الخلافات بين حكومة إقليم كردستان والمركز». ويشكّك في إمكانية إجراء تعديل من دون تدخُّل الأحزاب المهيمنة، ويقول: «من الصعوبة أن تَحكم العراق بدستور واحد. فالأمور معقّدة والاتّفاقات صعبة جداً في ظلّ بقائنا على خطاب التفرقة بين المكوّنات».
أمّا القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، جياي تيمور، فيَلفت إلى أن «الدستور نفسه وضع فقرة التعديلات وأوصى بذلك، وفي إقليم كردستان التعديلات تُرى على أنها هي خارطة طريق للجميع إذا كانت وفق السياقات الدستورية بعيداً عن الأمزجة السياسية». ويؤكد تيمور، لـ«الأخبار»، أن «الأكراد، وخصوصاً الحزب الديموقراطي الكردستاني، لا مانع لديهم، ولا يعترضون على إجراء التعديلات، وهم يمثّلون ثلاث محافظات»، مستدرِكاً بأن «عملية الاتفاق على إجراء التعديلات ليست بتلك السهولة، وخاصة المادة 140 من الدستور المتعلّقة بالمناطق المتنازَع عليها كمحافظة كركوك ومدن أخرى». لكنه يَجزم أن «الأحزاب الكردية ترحّب بفكرة إعادة صياغة فقرة توزيع الثروات والموارد وقوانين النفط والغاز، التي تضمن حقوق شعبنا الكردي، بعيداً عن الظلم الذي وقع عليه قبل وبعد عام 2003».
ويرى النائب عن «حراك الجيل الجديد»، أوميد محمد، بدوره، أن «مسألة تعديل الدستور شبه مستحيلة، طالما هناك أحزاب سياسية لا ترغب بذلك، وإذا حصلت التعديلات فستكون باتّفاق سياسي بين الكتل». ويشير محمد، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الحكومات السابقة كانت أكثر جدّية في مشروع تعديل الدستور، لكنها اصطدمت بعراقيل كثيرة وصعوبات كبيرة حالت دون تَواصل خطواتها. وأمّا حكومة السوداني فستُواجه العقبات والعراقيل نفسها، ولن تستطيع إكمال مشروعها. الطريق طويل أمام إعادة صياغة مواد هي بالأساس صعبة ومعقّدة».
مع ذلك، تتواصل الدعوات من جهات سياسية وقضائية إلى الإسراع في إجراء التعديلات، فيما يعترف رئيس السلطة القضائية، فائق زيدان، بوجود أخطاء وهفوات في تفسير بعض المواد الدستورية، ومنها قانون المحكمة الاتحادية، التي تُسبّب بين فترات مختلفة مشاكل وخلافات سياسية. وفي هذا المجال، يعتقد القاضي العراقي، وائل عبد اللطيف، وهو أحد أعضاء لجنة كتابة الدستور، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأحزاب السياسية المتنفّذة هي التي دائماً ما تتجاوز الدستور، وذلك عن طريق تفسيرها المغلوط لمواده وفقراته. وهذا ما يدعو إلى إجراء التعديلات عليه وخاصة في المواد الخلافية، وهي معروفة ومشخَّصة وغالبيتها متّصلة بالعلاقة بين الكرد والعرب، وباختيار الرئاسات الثلاث والتي تأتي عن طريق الاتفاقات السياسية لا عن طريق الاحتكام للدستور». ويرى عبد اللطيف أن «الدستور فيه موادّ خطيرة ومسبِّبة لمشاكل مذهبية ومجتمعية وحتى عنصرية، وخاصة التي تتعلّق بالأحوال الشخصية، فضلاً عن المواد التي رسّخت المحاصصة والطائفية». ويَخلص إلى أن ثمّة أكثر من 15 مادة ينبغي على الحكومة تعديلها وإعادة النظر فيها، لأنها ستفاقم الخلافات مستقبلاً.