منذ تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة، أصبح على أجندتها استهداف الأسرى، عبر انتزاع المنجزات الحياتية التي تم تحقيقها عبر سلسلة من النضالات المطلبية طوال عقود خلت. وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها الأسرى في سجون الاحتلال، فإن تلك الظروف، وفق تصورات الاحتلال، تعدّ غير مقبولة، وعليه لجأت الحكومة الصهيونية الجديدة إلى سن تشريعات قانونية تقوم على انتزاع الحقوق الإنسانية كافة التي انتزعها سابقاً. وعلى يد وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، بدأت اليوم المواجهة المفتوحة مع الأسرى، الذين بدورهم بدأوا بسلسلة من الإجراءات النضالية التي تستهدف وقف التغول بحقهم.

«الأخبار» استطلعت آراء عدد من الأسرى المحررين، لمعرفة الوضع الحالي الذي تشهده سجون الاحتلال، وكذلك للاطلاع على آخر التطورات الميدانية التي تشهدها السجون، بخاصة أن عدداً منهم، يعمل على هذا الملف.
الأسير المحرر أسامة ياسين من جنين، والذي أمضى 8 سنوات في سجون الاحتلال، أشار إلى أن المواجهة اليوم تعدّ من أقسى أنواع المواجهات بين الأسرى ومصلحة السجون، بخاصة أن تلك المواجهة محمولة على أجندة مسبقة من قبل حكومة الاحتلال، على عكس المواجهات السابقة، التي كانت تنحصر مع مصلحة السجون، فاليوم الأسرى مستهدفون بأبسط حقوقهم، والاحتلال يسعى للتحكم بهم عبر التدخل في حياتهم الداخلية، وكذلك في مأكلهم ومشربهم، وحتى تحديد كمية المياه المستخدمة في استحمامهم، ليطاول ذلك الأمر رسم علاقة جديدة مع السجان، تقوم على أدوات جديدة للسيطرة عليهم، وفق ما قاله الأسير المحرر شريف طحاينة من جنين لـ«الأخبار»، والذي أمضى أكثر من 13 عاماً في سجون الاحتلال، «الوضع صعب جداً، فالأسرى في دائرة الاستهداف من قبل الاحتلال، حيث تريد حكومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية، وضمن رؤية متكاملة، الانقضاض على حقوق الأسرى».
يسعى الاحتلال للهجوم الكامل والمتناسق على الشعب الفلسطيني، وربما يعتقد أن الأسرى يشكلون الحلقة الأضعف، وفق ما أشار إليه الأسير المحرر علام الكعبي الذي أمضى 15 عاماً في سجون الاحتلال، حيث أكد أن معركة الأسرى امتداد لكل المعارك التي يخوضها اليوم الشعب الفلسطيني. ويرى الكعبي أن معركة الأسرى هي معركة مصيرية، وأن الأسرى وفق تواصله القريب معهم، مصممون على خوض تلك المعركة، عبر وحدة تامة للحركة الأسيرة، حيث أشار الكعبي أيضاً إلى أن الأسرى قد وجهوا تحذيراً غير مسبوق لإدارة مصلحة السجون، مفاده بأنهم لن يكتفوا بتصعيد نضالهم المطلبي والحقوقي، بل سيلجأون إلى مهاجمة السجانين في أي مواجهة مقبلة.
في ظل هذا الوضع غير المسبوق في تاريخ الحركة الأسيرة، وهذه الهجمة، يسود الاعتقاد أن الأيام والأشهر المقبلة ستشهد ضراوة في المعركة بين الأسرى ومصلحة السجون


وبدوره لخص الأسير المحرر أحمد أبو السعود، من نابلس، والذي أمضى 26 عاماً في سجون الاحتلال، الوضعية الراهنة بالقول إن «الحكومة اليمينية المتطرفة تريد أن تجهز على ملف الأسرى، عبر سن جملة من القوانين التالية: إحياء قانون الإعدام للأسرى، وإلغاء المواطنة لكل أسير محرر من مناطق الـ48 المحتلة وإبعادهم عنها، والتضييق على الأسرى من خلال حل التنظيمات، وتقليص زمن النزهة، وإجبار الأسرى على الخروج بلباس إدارة السجون لساحات النزهة، وإنهاء وجود ممثل للأسرى في كل سجن، ومنع صناعة الطعام في الغرف، مع الفرض عليهم تناول ما يعده الأسرى الجنائيون في مطبخ السجن، إضافة إلى دمج الأسرى، وخلطهم بشكل عشوائي في الأقسام والغرف من أجل فكفكة التنظيمات».
وأضاف أبو السعود، المبعد من قبل الاحتلال إلى دمشق، معلقاً على مواقف الأسرى من تلك الإجراءات بالقول: «سارعت لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة داخل السجون للاجتماع والتباحث بمستجدات الواقع، بخاصة بعد أن وصلتهم تهديدات الوزير الصهيوني المجرم بن غفير، من خلال زيارته الأولى لسجن نفحه بعد تسلمه الوزارة بأيام، وخلصوا إلى التالي: وقف أي إجراءات يسعى الاحتلال لفرضها على الأسرى، عبر إدارة السجون من خلال قرارات لجان أو قرارات سياسية، ووقف حرب الاستنزاف التي يخوضها العدو ضد الأسرى، وعلى ضوء ذلك، وضعوا برنامج مواجهات مع إدارة الاحتلال ضد الإجراءات القمعية الجديدة، بإعلان العصيان والتمرد على قرارات وسياسة إدارة السجون، وتستمر هذه الحالة، أي الخطوات الرافضة والمواجهة مع السجان، حتى بداية شهر رمضان، فإذا لم تتراجع إدارة السجون ومن خلفها حكومة الاحتلال، سوف يشرع الأسرى بالإضراب المفتوح عن الطعام من اليوم الأول من شهر رمضان».
ويشير أبو السعود إلى أن الأسرى بذلك سيترجمون رفضهم بالكثير من الخطوات الاحتجاجية التي عرّضتهم وتعرّضهم لعقوبات صارمة هم وذويهم، ويوضح أن الحركة الأسيرة وضعت شعار «بركان الحرية أو الشهادة» المنسجم مع الأهداف التي حددتها للإضراب وهي: إعادة تعريف الأسرى كأسرى حرب، ووقف الاعتقال الإداري، ونقل الأسرى المرضى إلى قسم ملائم والسماح بإدخال أطباء من خارج إدارة السجون، وإعادة الحياة في السجون إلى ما كانت عليه قبل تاريخ 1/1/2023.
وما بين الإجراءات الاحتلالية ومواقف الأسرى منها، هناك إجماع على أن الأسرى في سجون الاحتلال قادرون على تلك المواجهة، بفعل شمول الهجمة مختلف الأسرى، وبفعل تجربتهم النضالية السابقة مع مصلحة السجون، كذلك بفعل الإسناد الشعبي الفلسطيني لهم، إضافة إلى وجود مقاومة مسلحة قادرة على الفعل الميداني، وأيضاً لوجود حالة نضالية ممتدة خارج السجون. فقد عبّر الأسير المحرر مروان المالحي، من بيت لحم، والذي أمضى 15 عاماً في سجون الاحتلال، بالقول: «إن قضية الأسرى، قضية جامعة لدى كل أبناء شعبنا وأحرار العالم».
يخوض الأسرى معركتهم الحالية من أجل الحفاظ على إنجازات الأسرى وحقوقهم التي جاءت بالإضرابات والدم والاستشهاد والمواجهة المستمرة على مدار اليوم والساعة. وفي ظل هذا الوضع غير المسبوق في تاريخ الحركة الأسيرة، وهذه الهجمة، يسود الاعتقاد أن الأيام والأشهر المقبلة ستشهد ضراوة في المعركة بين الأسرى ومصلحة السجون، والنتائج المترتبة على هذه المواجهة ربما ستضع اللبنات الأولى لهزيمة حكومة الاحتلال، فالأسرى يشكلون عنوان المقاومة، وهم الأقدر على حمل الراية وتوجيه المعركة في الاتجاه الصحيح، بعيداً من كل التناقضات التي تعصف في المجال السياسي الفلسطيني.